القاهرة - مصطفى سليمان
لا يذكر التاريخ المصري سوى اثنتين حظيت كل منهما بلقب "السيدة
الأولى". وتشابهت كل منهما في كونها أحد أسباب سقوط الزوج الرئيس. جيهان
صفوت رؤوف بالجدل الذي أثاره تدخلها في السياسة منتهياً باغتيال الرئيس
أنور السادات في منصة العرض العسكري عام 1981. والثانية سوزان ثابت التي
يُرجع الخبراء إليها طموحات التوريث التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك عقب
احتجاجات شعبية في ميدان التحرير بالقاهرة استمرت 18 يوماً.
كان طموح كل منهما أشبه بالتفاحة المحرمة التي أخرجت آدم وحواء من الجنة،
ففي النهاية خرجت جيهان من القصر الجمهوري بمقتل زوجها، وخرجت سوزان منه
مطرودة مع مبارك.
مساحات التشابه بين الزوجتين كبيرة إلى حد بعيد، وأكثر ما يجمع بينهما
الانتماء إلى عائلتين من الطبقة العليا في المجتمع المصري، ثم زواجهما من
ضابطين في الجيش ينتميان إلى الطبقة الفقيرة، ما كان له الأثر على شخصية
السيدتين.
منصور حسن: جيهان شخصية قوية السادات ومبارك
تحدث لـ"العربية.نت" منصور حسن، رئيس
المجلس الاستشاري والذي شغل كلاً من حقيبة وزارة رئاسة الجمهورية والإعلام
في عهد السادات وكان مقرباً للغاية من الأسرة، فقال: "بحكم عملي مع السادات
(رحمه الله) كانت لديّ العديد من الفرص للتواصل مع السيدة جيهان السادات
والتحدث معها ومتابعتها عن قرب".
ويضيف حسن: "لمست خلال فترة عملي وقربي منها تمتعها بشخصية قوية وذكاء حاد،
وأهم ما كان يشغلها هو مساندة زوجها ودعمه في مهمته الوطنية كرئيس ورعاية
أبطال الحروب والشهداء والمعوقين".
ويرى حسن أنها "كانت مستمعة جيدة للرأي العام وما يريده، وأشهد أنها كانت
تعبر للرئيس بمنتهى الصراحة عن توجهات الرأي العام المعارضة لبعض القرارات
أو المؤيدة، وكانت صادقة وصادمة في نفس الوقت في آرائها وأقرب إلى ما يريده
الشعب، ولكن الرئيس الراحل لم يكن يعتدّ بهذه الرؤية بقدر اعتماده على
التقارير الرسمية التي تصله، على اعتبار أنها أكثر دقة وحرفية من التقارير
الشخصية والانطباعات".
ومن ناحية أخرى، كما يقول منصور حسن: "كانت جيهان السادات تتدخل للتوفيق
بينه وبين أيٍّ من أصدقائه السياسيين أو الصحافيين إذا ما حدث بينه وبينهم
أي خصومة أو خلاف، وكانت تسعى إلى لمّ الشمل وتصلح ذات البين، بالإضافة إلى
ذلك كانت جيهان السادات بحكم ذكائها ودبلوماسيتها ونشأتها تؤثر في الضيوف
والوافدين الذين يزورون السادات من كبار الشخصيات ورؤساء الدول وتعطيهم
أفضل صورة عن شخصية المرأة وزوجة المسؤول الأول في مصر".
ويؤكد حسن أن "جيهان السادات لم يكن لها طموحات أبعد من استقرار أوضاع
البلاد ودعم زوجها، فهي كانت تفضل أن تقف خلفه لمؤازرته لا أمامه، ولم يكن
لها طموحات في الثراء، فهي من أسرة فوق متوسطة. والدها طبيب مصري عادي شاءت
الأقدار أن يتزوج والدتها الانكليزية التي تمصرت بعد ذلك، ويجب ألا ننسى
دور جيهان السادات في دعم زوجها حتى قبل أن يصل للسلطة ويصبح رئيساً لمصر".
ويعلق د. عمار علي حسن، خبير علم الاجتماع السياسي، على تأثير جيهان في
الحكم قائلاً: لـ"العربية.نت": "جيهان السادات كانت في الواجهة وكان ينظر
إليها على نطاق واسع بأنها مؤثرة في القرار، لكن سوزان مبارك كانت متنفذة
في القرار السياسي، والسادات كانت لديه قدرة على المناورة ولم يقع تحت
تأثير زوجته كلياً، وكان دور جيهان السادات في تصاعد ولكن فترة حكم السادات
لم تطل واستمرت 10سنوات فقط، فانتهى طموح جيهان بمجرد وفاته، ولا يخفى على
أحد أن جيهان أيضاً كانت تحاول جذب السادات الى المساحة التي تريدها هي،
ولكن اختلف التأثير وعامل الزمن من رئيس الى آخر".
سوزان حاولت تأسيس سلالة سياسية وحاولت سوزان مبارك تأسيس سلالة سياسية لحكم مصر، ويرى محللون أنها كانت أكثر تعليماً وذكاءً من مبارك.
وظل اسمها يتردد كسيدة مصر الأولى منذ بداية عقد الألفية الثانية ولثلاثين
عاماً متواصلة، وامتد نفوذها في حكم مصر وسيطرتها على مقاليد القصر
الجمهوري حتى قبل أيام من سقوط نظام مبارك وتنحيه عن الرئاسة.
ويلخص الكاتب الأمريكي كريستوفر ديكي في مقال له عن أسباب سقوط مبارك بمجلة
"نيوزويك" مشكلة العائلة الرئاسية في مصر بأنها لم تكن الرشوة بل كانت
الغرور، وهذا ما يفسر إصرار مبارك على البقاء في مصر وانتظار مصيره
المجهول، ويفسر أيضاً إصرار نجليه في كل جلسة محاكمة على الظهور متماسكين
وغير متأثرين بما يجري لهما، ويفسّر كذلك صمت سوزان مبارك طوال العام
الماضي عن الرد على الاتهامات الموجهة لها أو حتى تفكيرها في أن تحسن
صورتها للرأي العام.
وينقل ديكي عن إحدى المقرّبات من سوزان مبارك، أن الأخيرة أخبرتها مع تفاقم الأزمة "إننا سنذهب، سنرحل، لقد بذلنا قصارى جهدنا".
ووصف الكاتب سوزان مبارك بأنها كانت شريكة الرئيس في مأساة العائلة، وعندما
أصبحت في أواخر الثلاثينات أصبح ولداها مراهقين، وزوجها نائباً للرئيس،
وسعت إلى تصوير نفسها كناشطة اجتماعية في مصر.
الأرملة السوداء علاء وجمال في السجن
وتقول باربرا إبراهيم، من مركز المشاركة
المدنية بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وزوجة الدكتور سعد الدين إبراهيم
الذي أشرف على رسالة الماجستير التي أعدتها سوزان مبارك عن الفقراء في
منطقة بولاق الدكرور القريبة من القاهرة: "إن سوزان أذكى 10 مرات من زوجها،
فقد تمكنت من تطوير نفسها. وباعتبارها السيدة الأولى، ساعدت فى إحضار
عشرات المنظمات غير الحكومية إلى البلاد في محاولة لتحسين الحياة المصرية،
وكان لديها إحساس بالعالم خارج القصر أكثر من زوجها وأكثر من حاشيته من
الضباط".
وتضيف باربرا: "لكن سوزان كان لديها طموحات أيضاً داخل القصر، ولم تكن قبل
زواجها منه ثرية للغاية، وسعت إلى تأسيس سلالة سياسية كي تستمر لأجيال".
وفي أحد حواراته الصحافية عقب ثورة يناير قال الكاتب الكبير الراحل أنيس
منصور: "خطيئة سوزان أنها كانت تريد ابنها جمال رئيساً مثل زوجها، زوجة
رئيس وأم رئيس مثل السيدة الأمريكية بربارا زوجة الرئيس بوش الأب. وأنا
أشبّه السيدة سوزان بـ"الأرملة السوداء" في عالم العناكب فهي بعد أن تتزوج
الذكر تقتله وتحتفظ به حتى تبيض ويفقس البيض ويخرج الأبناء، فتقدم جثته لهم
فيأكلوه. وهي تتزوج في اليوم خمس مرات، وفي كل مرة تقطع زوجها لأولادها".
وعن تأثير نفوذ سوزان مبارك ذات الجذور الأرستقراطية على زوجها الرئيس
السابق مبارك نجل أحد موظفي المحاكم المصرية، وهل كان لهذا التفاوت الطبقي
بين الرئيس وزوجته تأثير على سلوك مبارك؟ يرد د. عمار علي حسن على سؤال
"العربية.نت" قائلاً: "لقد أثرت سوزان تأثيراً كبيراً على مبارك وجذبته إلى
المساحات التي تريدها واستحوذت على جزء كبير من القرار حتى القرارات
السياسية العليا مثل تدخلها في اختيار الوزراء، حتى أصبحنا نسمع في مصر عن
شلة وزراء سوزان. أصبحت ملكة متوّجة وكانت صاحبة اليد العليا في القصر
الجمهوري وذات تأثير كبير على مبارك لاختلاف شخصيتها عن شخصيته، فهي الأغنى
منه مالاً، حتى إنها أصبحت عضوة في نادي المليارديرات، وهي أيضاً أكثر
تعليماً وأعمق من مبارك، ولديها أحلام وطموحات أبعد من أحلامه، وكان لديها
أيضاً عوار نفسي من جيهان السادات، فحينما كان السادات رئيساً لمصر كانت
سوزان تسير وراء جيهان السادات في الخلف لطبيعة منصب مبارك في ذلك الوقت،
وهو نائب الرئيس، ما أورثها رغبة في أن تتجاوز حدود دور جيهان السادات.
ويضيف د. عمار علي حسن: "رغم أن سوزان مبارك حاولت أن تبدو مهتمة بالفقراء
والعشوائيات ورغم دراستها عن الفقراء في رسالتها للماجستير، والتي أشرف
عليها الدكتور سعد الدين إبراهيم، إلا أنها انتهت محتقرة للفقراء ومشجعة
للسياسات التي تؤدي إلى الاحتكار وتركيز الثروة، وعدم التفكير إطلاقاً في
محدودي الدخل، حتى دخلت فكرة توريث نجلها الحكم منذ عام 1999، وبدأت بعد
ذلك تنتهج منهجاً يمهّد الطريق لنجلها".