احتلال ميدان التحرير!! - جمال سلطان
لا
أعرف إن كانت المليونية التي دعت إليها قوى إسلامية كالإخوان المسلمين
وحزب الحرية والعدالة وحزب النور والجماعة الإسلامية يوم السبت المقبل ستتم
أم لا، وهي المليونية التي قرروا عقدها في ميدان التحرير، بوصفه رمزًا
تاريخيًا للثورة المصرية التي شاركت كل التيارات فيها، ولكني مندهش جدًا من
التشنج الزائد عن الحد عند الأستاذ حمدين صباحي وتوعده بالدم إذا فكر
الإسلاميون في عقد هذه المليونية في الميدان، وقوله إنه يسمح ـ لاحظ ـ لهم
بأن يقيموا مليونيتهم في ميدان آخر مثل جامعة القاهرة، والحقيقة أنه يشكر
وينبغي أن يتوجهوا إليه بوافر العرفان والامتنان أن تفضل وسمح لهم بالتظاهر
في مكان آخر، إنها العجرفة الزائدة التي تتقمص البعض فيتصور نفسه الزعيم
الملهم الذي هو الشعب والشعب هو، وأنا لا أعرف أن ميدان التحرير قد سجله
حمدين صباحي باسمه هو وحزبه في الشهر العقاري، بوصفه ملكية خاصة يفعل فيها
ما يريد، ولا يجوز لأي قوة سياسية أخرى أو حزب آخر أن يقترب من "حرم"
سيادته في ميدان التحرير، لقد كتبت معاتبًا الجماعة سابقًا عندما قررت
النزول إلى الميدان في نفس يوم دعوة أحزاب أخرى للتظاهر فيه، واعتبرت ذلك
خطأً سياسيًا وثوريًا، ولكني هنا أدافع بكل موضوعية عن حق الجماعة وحزبها
وأي حزب آخر أن يقرر التظاهر في ميدان التحرير في أي يوم لا يكون لحزب آخر
مظاهرة كبيرة فيه، فالتحرير هو ميدان كل أبناء الثورة، وإذا نصب أحدهم فيه
خيمة فلا يعني ذلك أنه أصبح محتكرًا للميدان، وعلى الآخرين استئذانه أولًا
للتظاهر، هذه "جليطة" سياسية من الصعب تخيلها أو الدفاع عنها، والحقيقة أن
مصدر قلق حمدين وحزبه هو من عظم المشهد الذي يعرف كيف سيكون في ميدان
التحرير إذا قرر الإسلاميون التظاهر فيه، سيرى مليونية حقيقية، لا فلول
فيها، قد يرى أولها ولكن قد يصعب عليه أن يرى آخرها، فحمدين وبقية الزعماء
الكبار كلما عقدوا مظاهرة قالوا إنها دليل على أن الشعب كله مع رؤيتهم
واختيارهم السياسي، وأنه لا بد من الاستجابة لمطالب الشعب واختيار الميدان،
رغم أنهم أنصارهم في الحقيقة، وبالتالي يتحول احتلال الميدان إلى حالة
ابتزاز سياسي للآخرين، إذن فلتنظر إلى جواب الميدان عليك يوم يتظاهر
"الآخرون"، هذا بالضبط ما يخيفه وما يزعجه.
أعرف أن هناك حالة من الإحباط مما حدث في مليونية الثلاثاء، وأعرف أن
كثيرين يشعرون بالعار من وجود الفلول فيها بمستوى عجزوا عن منعه، لكنهم فقط
يتشنجون عندما يريد الإسلاميون التظاهر، وأعرف أن هناك حالة من الهلع
الشديد من أن يحاول الرئيس محمد مرسي اللجوء إلى الشعب المصري في استفتاء
سواء على إعلانه الدستوري أو على مشروع الدستور الجديد، لدرجة أن حمدين
صباحي الذي يتحدث هذه الأيام كثيرًا عن الشعب المصري وباسم الشعب المصري
رفض أن يلجأ الرئيس إلى الشعب وخاف من الاحتكام إلى الشعب، لأنه يعرف أن
الشعب المصري في ملايينه الحقيقية يعطيه ظهره ولا يحترم توجهاته خاصة بعد
الخسائر السياسية الفادحة التي مني بها في الأشهر الماضية، والمؤسف أن الكل
يتاجر في الكل الآن، فالذين يتاجرون باسم الشعب يخافون الشعب ويفرضون
وصايتهم عليه، ويعتبرون أن رأيهم هو رأي الشعب، وأن لا داعي لسؤال الناس عن
رأيهم، بل لا داعي للديمقراطية من بابها، فالمعتصمون في ميدان التحرير
يكفون وزيادة، كما أن القائد الملهم الفريق أحمد شفيق يطلق من دبي عباراته
العظيمة الفخمة تعظيمًا للقضاء المصري الشامخ والنزيه، في الوقت الذي يهرب
فيه من القضاء المصري الشامخ العظيم ويخاف أن ينزل القاهرة ليعرض نفسه على
القضاء الشامخ العظيم، الكلام رخيص، والسياسة في مصر الآن لعبة استخفاف
وجعجعة وشاشة تليفزيون.