يتعالى الكثير من الناس ويتبخترون فرحاً بذوقهم العالي حال اقتنائهم غرضاً ما، فيرون ما يمتلكون أجمل مما لدى غيرهم؛ ثم ما يلبثون حتى يتهامزوا ويلمزوا أذواق الناس التي ﻻ تناسبهم وﻻ تتماشى مع أهوائهم، متناسين أن «الناس أذواق».
هؤﻻء الناس إن لم تحب ما يحبون فأنت ﻻ ذوق لديك، وإن لم تقرأ ما يقرأون فأنت «جاهل» وما تقرأه «تافه»، وإن لم تهتم باهتماماتهم فأنت «سخيف»، وإن لم تفضل الطعام بطريقتهم الخاصة التي يحبونه بها فأنت «ﻻ تعرف ماذا تأكل». يريدونك فقط أن تتماشى مع ما يناسب ذوقهم ويُرضي غرورهم المتعالي، ويصل الأمر بالبعض منهم أن يطلبوا منك تغيير ميولك وذوقك ليتناسب مع ما يحبون حتى تصبح شخصاً مرغوباً فيه لديهم.
يا لكثرة هؤلاء في مجتمعاتنا حتى وإن كان الشخص الذي ينتقدونه غريباً ﻻ يعرفونه وقد التقوا به للوهلة الأولى فلا فرق لديهم، كل ما يهم أن يطلقوا ألسنتهم لتهاجم الآخرين بمسمى الذوق وادعاء معرفته، بينما هم في الواقع ﻻ يمتون له بأي صلة.
احترام أذواق الغير وعدم ذمها لهو الذوق الرفيع وأسمى أنواع الذوق، فالإنسان الذي يتقن أدب الذوق وقد تمكن منه لا ينظر للآخرين نظرة دونية لمجرد اختلاف أذواقهم معه، فيسير ينم على هذا وينتقص من ذاك، إنما هو الذي يثق في ذوقه ونفسه، ويعرف في الوقت ذاته كيف يحترم أذواق الآخرين.