أكد الدكتور مجدي عاشور – المستشار الأكاديمي لفضيلة المفتي وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية – وهو بصدد توضيحه لفتوى الشات التي ذُكرت عن دار الإفتاء المصرية أن المحادثة بين الذكور والإناث الأصل فيها الإباحة كسائر العلاقات السوية بين البشر، والقاعدة الفقهية تقول :” الأصل في الأشياء الإباحة “، وأن التحريم قد يعرض للشيء المباح ليس في ذاته، بل لما يكتنفه من أمور خارجية تغير الحكم فيه من الإباحة إلى الكراهة أو التحريم.
بل قد تكون المحادثة واجبة إذا ترتب غلى فواتها ضرر على حياة أحد المتحدثين كما هو الحال بين المريض والطبيب مثلا، وقد تكون مستحبة إذا كانت في تحصيل مصلحة نافعة، كتسهيل قضاء حوائج الناس.
وأشار عاشور إلى أن الإسلام يدعو إلى الأخذ بأساليب الحضارة في كل زمان ومكان ما دام ذلك في خدمة الإنسان الذي هو محور الحضارات ومرتكزها الأصيل، بل ما خلق الله في الكون شيئا إلا لمصلحة الإنسان الذي كرمه في الشرائع كلها، فقال تعالى: (وَسَخَّرَلَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ).
وأضاف عاشور أن حكم الشرع في الوسائل ذات الوجهين في الاستعمال لا يتعلق بتلك الوسائل، وإنما يناط بمن يستعملها وهو الإنسان؛ إذ هو المكلَّف أمام الله عز وجل . ومثال ذلك السكين الذي يفيد في قطع الأشياء النافعة للإنسان فيباح، وقد يستعمل في القتل والجرح فيحرم استعمالها، كما يحدث من الجماعات الإرهابية هذه الأيام.
وينسحب الحكم نفسه على استخدام الشات سواء بين أفراد الجنس الواحد أو بين الجنسين، فيباح فيما لا ضرر فيه على الأشخاص أو عادات المجتمع وآدابه ونظامه العام، ويحرم إن تسبب في ضرر لكرامة الإنسان وعرضه أو نفسه، وحرمة الوسيلة هنا ليست في ذاتها وإنما لما تسببت فيه من ضرر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا ضرر ولا ضرار “.
وأوضح عاشور أن الفتوى قد ترد إلى دار الإفتاء لحالة خاصة، فتكون الإجابة فيها بناءً على واقعة هذه الحالة دون غيرها، فيكون من الخطأ العلمي والمهني الكبير أن تخرج هذه الواقعة من خصوصيتها ثم يعمم حكمها على كل ما يظن أنه يشبهها أو يماثلها دون سؤال أهل الاختصاص والرجوع إليهم، والله سبحانه وتعالى يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وهذا ما حدث في فتوى الشات التي نُسِبَتْ لدار الإفتاء.
واختتم عاشور بيانه أن المؤسسة الدينية ومنها دار الإفتاء المصرية تحرص دائما على منهجها العلمي الأصيل الذي يرعاه الأزهر الشريف، ومناطه أننا ونحن بصدد بيان الأحكام الشرعية لا نغفل مصالح الناس وعادتهم والتيسير عليهم ما دام الأمر متسقا مع الأخلاق ومنظومة القيم التي اتفقت عليها الشرائع السماوية وتلقتها العقول بالقَبول، ويتسم بها الشعب المصري الكريم.