== ها قد أوشكت شمس هذا الشهر على المغيب ، وآذنت أيامه
الغر ولياليه الحسانُ على السفر و الرحيل .ولم يبق منه إلا
صُبابة كصبابة الإناء !!
أجل لقد مرت ساعاته وأيامه كالبرق الخاطف والحلم الجميل
العابر :
سلام من الرحمن كـلَّ أوان *** على خير شهر قد مضى و زمان
سلام على شهر الصيام فإنه *** أمان من الرحمن كلُّ أمـــان
لئن فنيت أيامك الغر بغـتة *** فما الحزن من قلبي عليك بفـان
ولنا مع توديع شهرنا وقفات يسيرات :
الوقفة الأولى :
الله الله في الحرص على تكثيف الطاعات وزيادتها في ختام هذا
الشهر المبارك ، فلم يبق إلا القليل في مضمار السباق وتصل ،
فلا تسقط وتكسل وقد لاح لك الهدف واقتربت منه .
## واعلم أن الكريم جعل الليلة الأخيرة من هذا الشهر من خير
ليالي الشهر تعويضا لمن فاته الخير وكرامة للمحسنين .
## فعلى المسلم أن يحرص في ختام شهره على أن يكثر من
الخير ما استطاع فإنما الأعمال بالخواتيم . كان أحد السلف إذا
جاء آخر رمضان اشترى جارية حسناء وجملها وألبسها الحلي
ثم يعتقها لوجه الله راجيا بذلك أن يعتقه الله من النار !!
## ومما يسن فعله عند ختام الشهر :
1- كثرة التكبير ، تعظيما لله وشكرا له على إتمام الصيام
والقيام . كما قال الله (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم
ولعلكم تشكرون ) .
2- ومما يشرع أيضا ويجمل بالصائم في آخر شهره : أن يكثر
من الاستغفار ، وهي سنة متبعة في عموم العبادات . فالاستغفار
يكون لأجل التقصير الذي حصل في الصيام من تفويت بعض
الطاعات ،والوقوع في بعض المنهيات كالغيبة أو الكذب أو نحو
ذلك .
كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار يأمرهم أن يختموا شهرهم
بالاستغفار وصدقة الفطر ، ومما جاء في كتابه ذلك للناس : "
قولوا كما قال أبوكم آدم ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين ).
الوقفة الثانية :
الحذر من الرجوع إلى المعصية وترك الطاعة بعد رمضان :
فيا من صبر وصابر في هذا الشهر وذاق طعم الإيمان وحلاوة
قراءة القرآن إياك إياك أن تفسد ذلك كله بالرجوع إلى المعصية
والانغماس في أوحالها . لاتكن ( كالتي نقضت غزلها من بعد
قوة أنكاثا ) واحذر أن تهجر طاعة مولاك وترك الجمع
والجماعات ، والعيش في رحاب الباقيات الصالحات ، ولا تكن
من عباد رمضان فبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان !!
الوقفة الثالثة :
من المقبول الذي قبل الله صيامه وقيامه ؟! إنه السؤال الذي لم
يغادر أذهان الصالحين والصالحات ، وأرقهم وأسبل دموعهم
( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون _
أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )
## قال علي بن أبي طالب : " كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتماما منكم بالعمل "
وعن فَضالة بن عبيد قال : " لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني
مثقال حبة من خردل أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول
( إنما يتقبل الله من المتقين ) .
## وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " من المقبول منا
فنهنيه ؟ و من المردود منا فنعزيه ؟ أيها المقبول هنيئاً لك ، و
يا أيها المردود جبر الله مصيبتك "
غدا توفى النفوس ما صنعت *** ويحصِد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
قال الزهري :" إذا كان يوم الفطر وخرج الناس إلىالجَبَّان
( المصلى ) اطلع الله عليهم وقال : عبادي ! لي صمتم ، ولي
قمتم ، ارجعوا مغفورا لكم !! "
وقال مورق لعجلي لبعض إخوانه في المصلى يوم الفطر : "
يرجع هذا اليوم قومٌ كما ولدتهم أمهاتهم !! "
## نعم لقد آذن ضيفنا الحبيب بالرحيل ، ولم يبق على وقت
الوداع سوى القليل . أعرف من إذا بلغه نبأ الإعلان عن ثبوت
العيد يبكي بكاء مريرا ، ويزداد نحيبه ، وقد اعتاد الناس منه
ذلك كل عام !! فهل ترونه يلام على ذلك ؟!
يا لائمي في البكا زدني به كلفاً *** واسمع غريب أحاديث
وأشعار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع *** منا المصلي ومنا القانتُ
القاري
وفي التراويح للواحات جامعة *** فيها المصابيح تزهو مثلَ
أزهار
شهرٌ به يُعتق الله العصاة وقد *** أشفوا على جُرف من حصة
النار
فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا *** ما قد بقي، فهو
حقٌ عندكم جاري
ذهب رمضان أو كاد رُحم فيه سعداء ، وحرم من خيره أشقياء .
مضى الشهر فهنيئا لمن صابر فيه نفسه على الجوع والعطش ،
ونصب في ظلمات لياليه أقدامَه لله رب العالمين ، راكعا وساجدا
يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه !! هنيئا لهم رضا ربهم عنهم .
ويا حسرة من خسر في أيامه و لياليه ؟
ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه و قد عظمت فيه مصيبته و جلّ
عزاؤه ؟
كم نـُصح المسكين فما قبل النصح ؟ كم دُعي إلى المصالحة فما
أجاب إلى الصلح ؟
كم شاهد الواصلين فيه و هو متباعد ؟ كم مرت به زمر
السائرين و هو قاعد ؟
حتى إذا ضاع الوقت ، و خاف المقت ندم على التفريط حين لا
ينفع الندم. و طلب الاستدراك في وقت العدم ?!!
== فياليت شعري من الذي أعتق رقبته من النار ؟ وفاز بدار
النعيم والقرار ؟ سائل نفسك وأعظم الرجاء في ربك ، فإن لم
تكن ممن أعتق في فيما انصرم من ليالي الشهر فلا يفوتنَّك ما
بقي ، فلعلّ وعسى :
عسى وعسى من قبل وقتِ التفرقِ *** إلى كلِّ ما ترجو من
الخير ترتقي
فيـُجبر مكسورٌ ويـُقبـَل تائبٌ *** ويـُعتـَق خطّاءٌ ويَسعد من شقي
== فيا رمضان نستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ، وجبر الله
عزاءنا في فراقك ، وأعادك علينا مرات ومرات ونحن على ما
يرضي ربَّنا ومولانا .
اللهم تقبل منا ما أودعنا في شهرنا ، واغفر لنا السيئات
والتقصير ، واكتبنا من عتقائك من النار ووالدينا وأزواجَنا
وذرياتِنا والمسلمين أجمعين الأحياءَ منهم والميتين برحمتك إنك
أنت الجواد الكريم .