لا أريد أصدق أن مصر فى آخر الزمان قررت أن تقيم جدارا فولاذيا بينها وبين الفلسطينيين فى غزة. لكن الكابوس الذى تساءلت عنه قبل يومين تبين أنه حقيقة، وأن الخبر الذى نشرته صحيفة هاآرتس عن الموضوع، وتصورنا أو تمنينا أنه من قبيل الدس والوقيعة وتشويه صورة مصر، أكدته التفاصيل التى نشرتها صحيفة الشروق فى عدد أمس «الأحد 13/12».
إذا تحدثت كلمات العنوان الرئيسى «المانشيت» عن «جدار رفح العظيم تحت الأرض». وتضمن التقرير المنشور تحت العنوان بعض المعلومات المذهلة والمخجلة فى ذات الوقت. إذا أكدت أن ثمة حائطا حديديا بدأ العمل فى بنائه بين سيناء وقطاع غزة. وقد تم الانتهاء من إقامة جزء منه يمتد بطول 5 كيلومترات و400 متر. وهو غير ظاهر للعيان لأنه يصل إلى عمق 18 مترا تحت الأرض. وهو يتكون من ألواح من الصلب بعرض 50 سنتيمترا وطول 18 مترا، صنعت خصيصا فى الولايات المتحدة. وهى من الصلب المعالج الذى تم اختبار تفجيره بالديناميت.
هذه الألواح يتم زرعها فى بطن الأرض بواسطة آلات ضخمة تحدد مقاييسها بالليزر. ثم يجرى لصقها بواسطة تداخل الأطراف التى تسمى «العاشق والمعشوق». أضاف التقرير أن العملية تتم تحت إشراف مجموعة الخبراء الأمريكيين الذين اقتربوا من إكمال ملحقات المنظومة التقنية الخاصة برصد الأنفاق، التى تتضمن إنشاء بوابتين فريدتين من نوعهما فى الشرق الأوسط، تسمحان بمرور الشاحنات دون تدخل يدوى، فى الوقت الذى تستطيعان فيه كشف وجود أى أسلحة أو متفجرات.
ذكر التقرير أيضا أنه إلى جانب الخبراء الأمريكيين الذين يشرفون على العمل فى منظومة رصد الأنفاق، فإن وفودا تابعة للسفارة الأمريكية والسفارات الغربية تقوم بزيارات تفقدية بشكل روتينى للشريط الحدودى للاطلاع على سير العمل فى المشروع.
فى تبرير تلك الأنشطة قال المسئولون المصريون الذين تحدثوا فى الموضوع إلى صحيفة «الشروق» إن الهدف منها هو ضمان عدم تكرار اقتحام مواطنى غزة للأراضى المصرية كما حدث من قبل فى شهر يناير عام 2008، وأضاف أولئك المسئولون أن ما يجرى على الحدود المصرية على قطاع غزة هو «شأن مصرى بحت يرتبط بممارسة حقوق السيادة الوطنية».
لا يحتاج المرء لكى يبذل جهدا ليدرك أن ذلك كله موجه ضد الفلسطينيين فى غزة. وأن الترتيبات تضع فى الاعتبار أن الوضع المقلق بين سيناء والقطاع مستمر لأجل طويل غير منظور، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هى الطرف الأساسى الذى يباشر العملية، فيوفر لها الإمكانات وجميع المستلزمات، ويشرف على التنفيذ ويراقب أداء الوظيفة المنوطة بالجدار الخفى ومنظومة مراقبة الأنفاق طول الوقت.
هذه الترتيبات الضخمة تتذرع بأمرين: عبور فلسطينيين القطاع لبوابة رفح فى مستهل العام الماضى، ثم لجوؤهم إلى شق الأنفاق لتوفير احتياجاتهم المعيشية والتخفيف من أثر الحصار. وبدلا من المواجهة الشجاعة لأصل المشكلة المتمثل فى الاحتلال والحصار الذى ألجأ الفلسطينى إلى اقتحام البوابة وشق الأنفاق، فإن مصر بقبولها تنفيذ هذين المشروعين. تكون قد استجابت للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، وآثرت أن تشدد من الحصار وتحكم سد منافذه.
علما بأن هذا الذى يجرى لا يخدم أمن مصر فى شىء، الذى ليس مهددا فى حقيقة الأمر من جانب فلسطينيى القطاع، ولكنه لا يخدم إلا أمن إسرائيل ويعزز من خطتها فى قمع سكان القطاع وإذلالهم. وهو ما يضعنا أمام حقيقة صادمة ومفجعة خلاصتها أن القبول بإقامة السور الفولاذى بات يعنى أن الرؤيةالاستراتيجية قد تغيرت، بحيث أصبح الخطر الذى باتت تتحسب له مصر هو الفلسطينيون وليس الإسرائيليين. وإذا صح ذلك الاستنتاج المخزى، فإننى لا أجد مناصا من وصف السور الفولاذى المزمع إقامته بأنه جدار العار.
http://www.shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=161946
--------------------
|