عــــقــــر الأمـــة
***
ما كان للدكتور محمد عمارة أن يعتذر
إلا لو كان
النصارى يحكمون مصر!!
***
بقلم الدكتور محمد عباس
ع ق ر عُـقِـرت الأمة العاقر فهي معقورة.. وكأنما هناك كلب مسعور خرافي له ملايين الرؤوس افترش الوطن كله فعقرت كل رأس من رؤوسه واحدا من أبنائه.. و إلا فما السبب في انتشار كل هذا الفساد والكذب والاتهامات الباطلة والادعاءات المضللة وتزييف الوعي وتشويه التاريخ وتفتيت الأمة وتفكيك الأوطان والعمالة الكاملة للعدو وإعلان الحرب على الإسلام والفخر بذلك بنفس درجة الفخر بالعمالة لأبناء يهود ويهوذا..الفساد موجود دائما ولكن كاستثناء لكن كيف يمكن أن يكون القاعدة ودونه استثناء.ثم أن الفاحشة – التي هي أفحش من الزنا – كانت تمارس من النخبة باستمرار لكن تحت ستائر الإخفاء خيفة العار فكيف تحولت الأمور إلى الجهر بالفحشاء بل والفخر بها.. كيف نفسر ذلك كله دون ذلك الخيال المرعب عن كلب مسعور له ملايين الرؤوس عقر الأمة والوطن.***
ع ق ر عُـقِـرت الأمة العاقر فهي معقورة.. عقره جرحه وبابه ضرب فهو عقير وهم عقرى كجريح وجرحى.. وعقرت تعقر عقرا وعقرا وعقارا فهي عاقر ج عقر حسنكر ورجل عاقر وعقير لا يولد له وعقر الأمر ككرم عقرا لم ينتج عاقبة عقره يعقره وكلب عقور والعقار بالضم الخمر سميت بذلك لأنها عقرت العقل والعقير المعقور والعقيرة الشريف يقتل والساق المقطوعة وعقر النخلة قطع رأسها فيبست فهي عقيرة وطائر عقر أصاب في ريشه آفة فلم ينبت والعقر بالضم دية الفرج المغصوب.. وكلب عقور..***
هكذا تقول القواميس التي لم تتعد تلك المعاني المحدودة للتحدث عن عقر الأمة.نعم..كل المعاني التي أوردتها القواميس تنطبق على حالنا الآن..فالكلب العقور الذي عقر الأمة كان قد اشتد سعاره بعد استشهاد الشهيد عبد القادر عودة ورفاقه الأبرار ثم الشهيد سيد قطب و صحبه رضي الله عنهم جميعا.. اشتد السعار فظن الطاغوت أنه قادر عليها فانطلق ينهش في الأمة كلها...يستبد بي الذهول والألم فأتخيل أن ما أصاب الأمة لم يكن تطورا طبيعيا ولا قلة حظ أو سوء تقدير .. بل يبدو الأمر كما لو أن ذلك الكلب العقور الشرس الهائل الخرافي قد عقر الأمة فعقرت فهي عقيرة وعاقر ومعقورة.. وهي جريحة وعاقر لا يولد لها وهي معقورة العقل مقطوعة الرأس مبتورة الساق .. وهي مغتصبة..أليست هذه هي حالة الأمة الآن؟!***
أستعيد التاريخ في ألم لا يوصف.. كانت الصورة واضحة جدا أمام الشهيد سيد قطب.. وكأنما كان يدرك ما سيحدث من تغول الأمريكان في الخارج بعد انهيار الشيوعية الذي جزم بحدوثه.. كما كان يدرك النتائج الكارثية لتغول العسكر في الداخل.. وفي الفترة التي كانت الأمة قد نسيت ربها وانقسمت شطرين شطر للغرب و آخر للشرق كان هو يحذر من الشرق والغرب جميعا..إنه يتصور الشيوعية أفعى حمراء توشك أن تقتله – كما حدث فعلا- ثم يلتفت إلى الجانب الآخر فيقول : وكلهم سواء أولئك الغربيون :ضمير متعفن، وحضارة زائفة، وخدعة ضخمة اسمها «الديمقراطية» يؤمن بها المخدوعون! تلك كانت عقيدتي في الجميع، في الوقت الذي كان بعض الناس يحسن الظن بفريق ويسيء الظن بفريق، وكانت أمريكا في الغالب هي التي تتمتع بحسن الظن من الكثيرين . فها هي أمريكا تتكشف للجميع .هذا هو «ترومان» يكشف عن «الضمير الأمريكاني» في حقيقته، فإذا هو نفسه ضمير كل غربي، ضمير متعفن لا يثق به إلا المخدوعون! إنهم جميعاً يصدرون عن مصدر واحد،هو تلك الحضارة المادية التي لا قلب لها ولا ضمير تلك الحضارة التي لا تسمع إلا صوت الآلات، ولا تتحدث إلا بلسان التجارة، ولا تنظر إلا بعين المرابي، والتي تقيس الإنسانية كلها بهذه المقاييس .ثم يواصل:يقول نبي الإسلام الكريم (ص):«لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، وها نحن نُلدغ من الجحر الواحد مرات، ثم نعود في كل مرة إلى هذا الجحر نفسه، مغمضي الأعين نتطلب «الشهد» من جحور الأفاعي، ولا نجرب مرة واحدة أن نحطم هذه الجحور، وأن ندوس هذه الأفاعي، وأن ننفض عن نفوسنا ذلك الوهم الذي يقودنا المرة بعد المرة إلى تلك الجحور!..كانت الصورة واضحة جدا أمامه وكانت نخبة الأمة – غير الإسلاميين- ما بين مغيب ومعيب وعميل.ماذا لو أن الثورة لم تلدغ الحركة الإسلامية كحية رقطاء ولم تعقرها ككلب عقور.. وكان الكلب العقور رائدا لكلاب كثيرة راح كل كلب منها يعقر وطنه..ماذا لو أن منهج الإسلام الذي دعا إليه سيد قطب هو الذي اتبع لا منهج الثورة..كيف هان على العسكر – جيشا و أمنا ومثقفي أمن الدولة- أن يدمروا الأمة..كيف كان عليهم أن يكونوا بعض رؤوس الكلب العقور وبعض أنيابه و أن يعقروا الإسلام والمسلمين بعد أن شنوا حملتهم التي اختزلت الإسلام في الإخوان..***
والآن.. حين نحاول مراجعة حساباتنا وتقييم ماضينا وتقويم حاضرنا فإن علينا ألا نفقد الدرس الذي دفعنا فيه عمرنا لندرك كم كانت هذه النظم شقية مشقية.. وكيف أن جل ما نعانيه الآن إنما يعود إليها..نعم.. في ظل ما يحدث الآن ندرك من الذي كان يعمل لمصلحة أعداء الأمة ومن الذي جاهد في سبيل الله..تحدث عن أي مصيبة الآن وسوف تجد بذورها في أماكن شتى لكن عودها لم يشتد إلا مع تنحية الإسلام..فتش عن أي جريمة وسوف تجد أن جذورها تعود للعصف بالإخوان.. بل بالإسلام..فتش عن التعذيب والقهر والامتهان ومذبحة القضاء وانتهاك العدالة والخمس تسعات وحتى الصلح مع إسرائيل واستبدال الخضوع للأمريكان بالخضوع للروس باعتبار أن الخضوع لأيهما يجوز و أن المحرّم الوحيد هو الخضوع لله.فتش عن أولئك الذين اشمأزت قلوبهم مما يحكم به الله جل جلاله ثم يرضخون صاغرين أذلة لما حكم به بوش وبلير و أولمرت..فتش عن أولئك الذين لا يجادلون أبدا في قرارات الأمم المتحدة ولا في الفيتو الأمريكي لكنهم يجادلون بالجبروت كله والصفاقة كلها والفجور كله في شرع الله.. فتش عن أولئك الذين إذا قلت لهم قال الله اشمأزت قلوبهم فإذا قلت لهم قال الأمريكان خروا ساجدين..فتش عن كل هذا الفساد والشر والألم والقدرة على الكذب الصفيق الشيطاني المجرم من أول تبرئة المجرمين و إلى آخر اتهام الأبرياء زورا.. وانظر كيف تدهورت بهم الأمور حين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم وحصاناتهم فإذا بالأمور تنتهي بهم وقد بلغت بهم التفاهة والسفاهة أن عقورا منهم يتهم الإخوان المسلمين بأنهم وراء سفاح المعادي.. كما اتهمهم عقور بغسيل الأموال و بأنهم خطر على الأمن القومي وبأن الاستعراض الرياضي العادي لطلبة الأزهر بوادر ثورة مسلحة.. فتش عما حدث للصحافة...أتساءل:لماذا تكذب الصحف الكبرى فتنسب إلى القضاة والصحافيين الشرفاء ما ليس فيهم..بل لماذا تكذب فتنسب للصحافيين أنفسهم ما ليس فيهم إذا ما غضبت السلطة عليهم.. سوف نتجاهل مواقفها الخسيسة عندما تنقل أخبار المجاهدين المقبوض عليهم إلى صفحة الحوادث مع المجرمين..لماذا جعلوا إلههم هواهم..ولماذا عبدوا – دون الله- أي طاغوت ونسوا الله..لماذا تقاعس الكتاب والمفكرون عن وصف الأشياء بمسمياتها..لماذا تتنازل الدولة للصحف عن سبعة مليارات جنيه؟ أمكافأة على الكذب؟!.. على تزييف وعي الأمة؟؟.. ولماذا تصل مجموع خسائر الصحافة والإعلام إلى أكثر من عشرة مليارات لمجرد ترويج الكذب.. والدفاع عن أناس لا يمثلون فكرة مخالفة ولا رأيا آخر بل هم مجرد لصوص وقتلة ونصابين ومبتزين وسماسرة سلاح و أوطان وخونة وهاتكي أعراض....وورثتهم..لماذا؟..و إذا كانت الأمة كلها تعلم أن وسائل الإعلام الحكومية – و كثيرا غير الحكومية أيضا- تكذب فلماذا تساعد على ترويج الكذب.. لماذا لا تقلع عن مشاهدتها أو قراءتها؟!.. وهذا أضعف الإيمان..... والجامعة أيضا .. كيف وصلت الجامعة إلى هذا الحال.. هذا الحال الزري المهين.. حتى وصل الأمر إلى أن ضابط أمن حقير ضرب أستاذا في الجامعة حتى مزق قميصه فاستغاث الأستاذ برئيس الجامعة الأشد حقارة فتعهد له أن يشتري له قميصا بدلا من الذي تمزق.. ودعنا الآن من مستوى التعليم بل مستوى الجهل.. دعنا من أن ضابط بوليس يتحكم حتى في الأبحاث الأكاديمية في الجامعة.. ومن أن السبيل الوحيد لأن يكون الطالب آمنا هو أن يكون جاسوسا للأمن.. وهو نفس السبيل إلى تعيينه في الجامعة بعد تخرجه.. لأن النتائج النهائية لا تعلن إلا بعد مراجعة الأمن الذي يستبعد من المراكز المتقدمة كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله..هل كان ضابط الاحتلال الإنجليزي يفعل هذا..بل هل كان ضابط الموساد يفعل هذا..يا رجال أمننا.. تبت أياديكم وتب.. ما أغنت عنكم سلطاتكم ولا طواغيتكم وما حسنبتم من مال حرام.. ستصلون نارا ذات لهب..... وليست الجامعة فقط ..كيف؟..كيف؟..كيف؟..هل نتساءل عن النيابة والجيش؟هل نتساءل عن الأزهر؟هل نتساءل عن الزراعة والصناعة والتجارة والاقتصاد ..هل نتساءل عن الشارع.. عن المرجعية والقيم والأخلاق.. عن التعليم والإعلام والثقافة والعلم.. عن المرجعية..عن المساجد والكنائس و أيهما يحترم و أيهما يهان.. يا أي رجل أمن: إن كنت تصلي .. ألا تخجل من الله و أنت تسجد له بعد أن صددت بالدم والنار عن سبيله؟!...هل نتساءل عن الناس؟كيف استطعنا ذلك.. كيف استسغناه.. كيف لم نخرق أعين من فرضوه علينا.. وكيف تدنى البشر إلى هذا المستوى..كيف استطاع كل هؤلاء الضباط والجنود أن يقوموا بكل هذه العمليات الإجرامية من تزوير وتعذيب وكذب..كيف استساغت الأمة أن تكون هناك مكافأة للجنود على قيامهم بالتعذيب..كيف تتحول قطاعات من الشرطة إلى إجرام العصابات و أكثر..وكيف تتحول قطاعات من النيابة إلى قفاز في يد الشرطة..كيف يرضى وزير على كرامته وكبريائه أن يكون مجرد سكرتير.. بل خادم بلا كرامة ولا رأي ولا إرادة؟!..كيف يرضى رئيس وزراء أن يكون مجرد قواد أو ديوث..ثم كيف استسلمت الأمة لهذا كله بل وشاركت فيه..كيف واتت الجميع هذه القدرة الجماعية الرهيبة على الكذب؟!كيف تجمعت كل هذه النطف النجسة لتلوث رحم الأمة.. بل إن الأمر أخطر و أشمل و أعم..نعم .. فالكارثة الآن لم تعد في إحصاء من يكذب بل في محاولة العثور عمن يقول الصدق..ولست أزعم أن مسئولا واحدا أو عاملا منفردا كان هو السبب الوحيد في هذا كله لكن ما أقوله أن ما كان يتم من جرائم في الخفاء ويُخجل من الاعتراف به أصبح يرتكب علانية وجهارا بل ويفخر المجرمون بارتكابه.لماذا استكانت الجماهير كل هذه الاستكانة ولماذا غفلت كل هذه الغفلة..يقول الشهيد العظيم - أحسبه كذلك- سيد قطب:"فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير، وذلتها، وطاعتها، وانقيادها، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة، ولا سلطاناً، وإنما همي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب ! وتمد لها أعناقها فيجر، وتحني لها رؤوسها فيستعلي ! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى! والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة، وخائفة من جهة أخرى، وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم، فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين، لو أنها شعرت بإنسانيتها، وكرامتها، وعزتها، وحريتها". ***
في عامه الأخير تنبأ الشهيد سيد قطب بما سيحدث للأمة عند العصف بتيار الإخوان المسلمين..تنبأ بالانهيار الأخلاقي والاجتماعي والثقافي والديني..يقول الشهيد في "لماذا أعدموني":إن السياسة المخططة من جانب الصهيونية والصليبية الاستعمارية لتدمير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة تحقيقاً لمصالح ومخططات تلك الجهات قد تحققت بنجاح .. وأنه في الوقت ذاته لابد من محاولة الرد على تلك المخططات بإعادة حياة ونشاط الحركة الإسلامية حتى ولو كانت الدولة لسبب أو أكثر لا تريد. فالدولة تخطئ وتصيب!كما أنها كانت تملأ نفسي شعوراً بالظلم الذي أصاب آلاف الأفراد وآلاف الأسر والبيوت. بناء على حادث ( تمثيلية المنشية) واضح جداً تدبيره- حتى ولو لم يعلم بالضبط في ذلك الوقت من دبره- وبناء على الرغبة من حماية النظام القائم من خطر ضخمته أجهزة غريبة الأهداف واضحة كذلك من كتبهم وجرائدهم وتقريراتهم وفي مقدمتها تقرير جونسون عن نهر الأردن. ثم تضخم هذا الشعور وأنا أرى النتائج الواقعية في حياة المجتمع المصري من انتشار هائل للأفكار الإلحادية وللانحلال الأخلاقي نتيجة لتدمير حركة الإخوان المسلمين ووقف نشاطها التربوي. وكأنما كان وجود هذه الجماعة سداً قد انهار وانطلق بعده التيار.وكنت أسمع عن ذلك كله في السجن، ولما خرجت وجدت أن كل ما سمعت كان دون الحقيقة بكثير لقد تحول المجتمع إلى مستنقع كبير!إن المسألة أكبر بكثير مما يبسطها الذين ينظرون لما حدث على انه مجرد تطور، أنها تتعلق بالمخططات الصهيونية والصليبية الاستعمارية في تدمير المقومات الأساسية للعناصر البشرية في المنطقة بحيث تصبح هذه الملايين حطاماً منهاراً لا يملك المقاومة حتى لو وضعت في يده أقوى الأسلحة. فالرجال هم الذين يحركون الأسلحة وليست الأسلحة هي التي تحرك الرجال. والمجتمعات حين تنهار عقيديا وخلقياً تصبح الملايين فيها غثاء لا يقف في وجه التيار.ويستطيع الإنسان أن يلحظ بسهولة علاقة هذا الانحدار بتدمير حركة الإخوان المسلمين ومنع نشاطها، كما يستطيع أن يربط بين هذا التدمير وبين الخطط الصهيونية والصليبية الاستعمارية بخصوص هذه الجماعة وبخصوص المنطقة بجملتها.***
يــــــــــا أمـــــة..أنا حذيركم ونذيركم..أنا حذيركم ونذيركم..أنا حذيركم ونذيركم..في كل مرة كانت السلطة الغاشمة تنكل فيها بالإخوان لم تكن تفعل ذلك لإبل بهوى في النفس ومباركة من الخارج.. في كل مرة..بل استثناء..في عام 1948 كان لابد أن يتم ضرب الإخوان للتمهيد لاستسلام عربي لإسرائيل.. استسلام لا يعكر صفوه عليهم جهاد ولا استشهاد.. ولذلك كان لابد من القبض على مجاهدي الإخوان ونقلهم من ميدان القتال إلى المعتقل.. ثم قتل الزعيم الشهيد إن شاء الله – حسن البنا ( بلغت الخسة بعد ستين عاما من استشهاده أن فرع الشين بيت في مصر ألقي القبض على ناشرين بحجة أنهما طبعا كتابا عنه-.في عام 1954 كان لابد من ضربهم و إعدام الشهداء الذين أثبتوا القدرة على قيادة النضال العسكري في فلسطين أو السياسي في مصر وكان ذلك تمهيدا لما سمي باتفاقية الجلاء التي تمت برعاية أمريكية تمهيدا إخراج بريطانيا و دخول أمريكا فلما أدخل الطاغوت الأصغر روسيا بدل أمريكا قطع الطاغوت الأكبر رأسه.. كما أن ما حدث عام 1954 أيضا كان تمهيدا لمعركة 1956 حيث هزم الجيش المصري هزيمة ساحقة – وقبل أن تعوي الكلاب ارجعوا إلى أي مرجع أجنبي أو مصري بشرط ألا يكون بوقا لجوبلز المصري أو الصحاف الناصري- في معركة 56 أثبتت إسرائيل تفوقها الحازم.. ولو كان الإخوان ساعتئذ موجودين لما حدث ما حدث بالصورة التي حدث بها (انظروا ما يفعله الجهاد الإسلامي في كل بقعة أتيح له فيها أن يجاهد).. لذلك كان مطلوبا أن يقصوا ويقتلوا حتى يبتعدوا عن الساحة تمكينا لإسرائيل.. ولهم..عام 1965 .. حيث حدث للشهيد ورفاقه ما حدث ليعدموا عام 1966 ولتقع الهزيمة الكبرى عام 1967..وفي عام 1981 كان ما كان فصار ما صار لكي يؤول الأمر إلى من هبط به إلى حضيض لم يشهده في خمسة آلاف عام كما كان يقول المرحوم الأستاذ فتحي رضوان..وفي التسعينيات نشطت محارق الطاغوت من جديد لتواكب وتمهد للصمت إزاء تدمير العراق ..وهاهي ذي المحارق تبدأ من جديد..تبدأ من جديد فأبشري أيتها الأمة الراكعة الخانعة المستذلة بابتلاء ليس كمثله بلاء .. و أيقني أن الوريث القادم جلاد سيذبح ..أيشري إن لم تنهضي.. ولا أظنك تنهضين.. لأنني أظن أن رجالك هم أولئك الذين سيذهب الله بهم ويأتي بقوم يحبهم ويحبونه ليجري على أيديهم النصر..أبشري بالخراب.. أبشري بالعقاب..لشد ما أشعر بالاحتقار لتلك الأحزاب والمؤسسات والصحف والمجلات و أجهزة الإعلام والهيئات القذرة التي تطالب بالديموقراطية بشرط ألا ينجح الإخوان المسلمون وهم في سبيل ذلك يؤيدون أشد أنواع الحكم بطشا وقهرا وتسلطا ودموية وفسادا ما دامت تحول بين الإخوان وبين الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع.. لكم أحتقرهم و أزدريهم و أشمئز منهم.يا كلاب النار يا حطب جهنم يا عورة الأمة: كونوا مخلصين حتى لكفركم وعلمانيتكم وانضموا إلى الأمة في مطالبها بنزاهة الانتخابات وشفافية القرارات ومنع التعذيب والقضاء على الفساد.. أليس هذا ما صدعتمونا به حقبا وراء حقب وعقودا خلف عقود.. فلماذا يا خنازير الغرب المأجورة وكلاب الطاغوت المسعورة تنسون هذا عند التطبيق فلا تخلصون لعلمانيتكم بل لعمالتكم..لماذا تنضمون إلى الطاغوت في نشر الكذب والادعاء بالباطل..لماذا؟..لماذا؟..فأبشري بالخراب.. أبشري بالعقاب..هل ترين ما يحدث في العراق؟..سيحدث مثله فيك..هل ترين ما يحدث في فلسطين؟..سيحدث مثله لأهليك..!!هل ترين ما يحدث في الصومال ولبنان؟..سيحدث لبنيك..و أنت تستحقين.. وما الله بظلام للعبيد..***
كان للشهيد سيد قطب نظرته الشاملة للكون من منظور إسلامي.. كان كل شيء عنده يبدأ بالإسلام ويمر من خلاله وينتهي به..ومن هذا المنطلق آمن بأن قضية فلسطين هي قضية المسلمين فرحلة الإسراء إلى المسجد الأقصى هي " إعلان وراثة الرسول الأخير صلى الله عليه وسلم لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات "، لذلك ودفاعاً عن إيمانه بحق المسلمين بأرض فلسطين شارك سيد قطب رحمه الله كبار شخصيات العالم الإسلامي في المؤتمر الإسلامي العام الذي انعقد في القدس عام 1954 م. ليؤكد " أن القضية الفلسطينية هي من أخطر القضايا الإسلامية وأجدرها بعناية الشعوب المسلمة وتضافرها في الكفاح لاسترداد البلاد المقدسة من اليهود الغاصبين، وحماية ما تبقى منها في أيدي أصحابها الشرعيين بعد تآمر الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية ". ولقد بلغ من شدة إدراك سيد قطب رحمه الله لخطر اليهود على الأمة وفضحه لمخططاتهم أن أعلن الشهيد رحمه الله في جريدة الشهاب عن كيفية توقعه لختام حياته بقوله : " لقد وقفت على مدى تغلغل الأصابع اليهودية وخطرها بعد بحث وطول عناء، واليهود إذا علموا أنني أحيط بذلك فلا بد أن أقتل".***
حكامنا ونخبنا عليهم من الله ما يستحقون رفضوا المنظور الإسلامي كله بداية من التزوير والسحق ومرورا بـ:لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة – وهي مقولة تعنى إنكار المعلوم من الدين بالضرورة- إلى العملاء الذين يعتبرون الإسلام خطرا على الأمن القومي ( وهو فعلا خطر على الأمن القومي للصليبيين واليهود الذين أمّروهم).. رفضوا المنظور الديني كله في الوقت الذي لا يكاد الصليبيون واليهود يعترفون بسواه.. يقول الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغن (1981 ـ 1989): لا يوجد شيء اسمه الفصل بين الدين والسياسة، وأن القائلين بهذا الفصل، لا يفهمون القيم التي قام عليها المجتمع الأمريكي، أما بوش فيصرح بأن حربه علي الإرهاب – ويعني به الإسلام- هي إنما وحي من عند ربه!.***
فصل الدين عن الدولة إذن مطلب يهودي صليبي لا يطبقونه في بلادهم لكنهم – مباشرة أو بعملائهم يطبقونه في بلادنا- ..لكنهم يخفون دلائل المؤامرة بتجزئة التاريخ والجغرافيا والفكر.. مدركين أنهم بذلك يدفعوننا إلى صحراوات التيه حيث نفقد هويتنا وديننا بل ووجودنا..هل يمكننا الآن – على سبيل المثال- أن نتوصل إلى تشخيص حقيقي صحيح إذا ما تناولنا الداء الذي ألم بأفراد الأمة كل فرد بمعزل عن الآخر؟!لو أننا قررنا تدريس جغرافيا مصر كل محافظة بمعزل عن الأخرى فهل نفهم الجغرافيا.. وهل نفهم لماذا وكيف أن مصر وحدة جغرافية واحدة..ولو أننا قررنا تدريس التاريخ كل محافظة بمعزل عن الأخرى فهل كنا سنفهم تاريخ مصر؟!..هل أدركتم يا قراء لماذا يدرسون تاريخ وجغرافيا كل وطن عربي بمعزل عن الآخر؟!..هل أدركتم لماذا يحاولون فصم الصلة بين تجاهل الرافعي وقتل الشهيد سيد قطب والتنكيل بالعلامة محمود شاكر والدكتور جمال حمدان وعشرات ومئات لن يكون آخرهم ما حدث مؤخرا للدكتور محمد عمارة.. بل إن التاريخ والجغرافيا وتاريخ الثقافة والقوانين ومسلسل الأحداث لا يمكن فهمه بمعزل عن نوايا الطاغوت وعمالته.على سبيل المثال كانت الحملة التي شنتها السلطة الغاشمة على شركات توظيف الأموال عن حق أو عن باطل كفيلة بإفلاس بنوكنا الكبرى لو ووجهت بمثلها.. لم تكن هذه الشركات مبرأة من العيوب لكنها لم تكن أبدا كما قالت السلطة الغاشمة.. كان هدف السلطة تحقيق أكبر قدر من التدمير لأي اقتصاد مستقل عن سلطتها المركزية.. لا يهم خراب الناس.. لا يهم الدموع والألم .. لا يهم الخسارة.. ما يهم فقط ألا يكون هناك قوة اقتصادية لمن ينتمون بأي شكل للإسلام.. ذلك يجب تدميره على الفور.. كانت إسرائيل ستفعل نفس الشيء لو لم تفعله السلطة العميلة.. لكن.. لماذا تلوث إسرائيل سمعتها بهذا ولديها خدم على هذا القدر من الخسة. ونسي الناس ما حدث لشركات توظيف الأموال ليفاجئوا بنفس التدمير مع شركات يملكها الإخوان ويديرونها بنجاح .. شنت السلطة الحرب على جزء من اقتصاد الأمة غير آبهة بانهيار الاقتصاد كله.. وخرجت صحيفة الأهرام بالبشرى : أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة قد أدت إلى خسارة نصف مليار جنيه للإخوان.. هل كانت السلطة العميلة تقدر على إجراء يؤدي إلى خسارة شركة من شركات الكويز ألف جنيه.***
لكننا هنا نقع في خطأ مر آخر.. نقع فيه عندما ننظر – رغم كل تجاربنا وخبراتنا- إلى السلطة دون أن نفهم التطور العضوي الذي أصابها.. التطور الذي حولها من جهاز للحماية إلى جهاز للتهديد والسرقة والقتل والتخريب.. تحول كذلك التحول الذي يحول الخلية العادية إلى خلية سرطانية.. فهل رأيتم مجنونا يطالب خلية السرطان أن تشارك في بناء الجسم.. أم رأيتم مجنونا يوكل العدالة إلى لص والشرف إلى داعر والأمن القومي إلى خائن وتاجر سلاح .. نعم.. النظر إلى السلطة حسنلطة حقيقية هو في الحقيقة خطأ يستدعي ذلك النواح الحزين لضحية الداخلية الذي صوروه إذ يغتصبونه، كما يستدعي تلك الصرخات المذبوحة لعذراوات بغداد إذ يغتصبهن الأمريكيون فيصرخن مقسمات و محذرات بأنهن أبكار. كأن ذلك القسم والتحذير سيردع المجرم عن جرمه.. لم يدركن أن هذا هو المطلوب تماما.. وتماما كما كان المطلوب تدمير الاقتصاد في مصر.. تماما كما حاولوا تدمير التعليم و الجيش والقضاء والتعليم والإعلام والزراعة والصناعة والهوية وإذكاء الصراع العرقي والطائفي وكل شيء في الوطن..لم يكن مجديا إذن أن نحذرهم من الخراب الوشيك.. نعم.. لم يكن مجديا أبدا تحذيرهم من ذلك.. لأن الذي نحذرهم منه كان بالضبط ما كانوا يهدفون إليه.***
كنت في العامين الماضيين وطيلة الحلقات الماضية أهرب ثم أمعن في الهروب من الكتابة عما حدث في العام الأخير من حياة الشهيد سيد قطب.. كي لا أتحمل الألم المروع الرهيب الذي يوشك على اجتياحي حين أشرع في الكتابة عن عامه الأخير.. لكن غير مقتصر عليه.. لأنني والقارئ لابد يعلم أكتب مستشهدا بالماضي كي أقيم الحجة على الحاضر.. ولأنني لو اقتصرت على ما حدث للشهيد لكنت أظلمه ظلما بينا.. بل وكنت أضيع القضية كلها.. لأن أمر الشهيد لم يكن محدودا بجسد أُعدِم ومات.. بل كان متجسدا في قضية لا تموت وفي روح ستظل تشعل الجذوة في قلوب المجاهدين والمفكرين حتى يرث الله الأرض وما عليها.إن أمر الشهيد لا يخصه وحده ولا هو مقتصر عليه.. إن الأعداء يحاولون دفعنا لهذا التقسيم الوعر باسم المنهج أحيانا والكتابة الأكاديمية في أحيان أخرى .. من ذلك دراسة حركات التحرر من الاستعمار في العالم الإسلامي ليس كحركة جهاد إسلامي ضد عدوان صليبي.. بل تم تجزئة الجهاد وتشويهه ليصبح مقاومة لا جهادا, وضد دول أوروبية لا حملة صليبية.. وكان ذلك يعني إفقاد المعركة شمولها وغاياتها، والأخطر إفقادها عنصر الاستمرار. وكان التطور الطبيعي أن توصف حركات المقاومة نفسها بعد ذلك بأنها إرهاب.***
نعم .. هذا هو حال الأمة الآن وهو حال يكاد يدفع بنا إلى غياهب اليأس لولا الأمل في رحمة الله ووعده.. تلك الرحمة وذلك العدل الذي استشفهما الشهيد في كتابه :" في التاريخ فكرة ومنهاج" ليكتب في "صحوَة ليسَ بَعدَهَا سُبَات:
لو كان مقدراً لهذا العالم الإسلامي أن يموت لمات في خلال القرون الطويلة التي مرت به، وهو مكبل بالقيود وهو في حالة إعياء عن الحركة، بعد أن حمل عبء الحضارة الإنسانية طويلاً، وبعد أن تعب فاسترخى ونام، والاستعمار الغربي إذ ذاك فتى فتهيأت له الفرصة، ودانت له معظم أطراف الأرض. وكان ثقله كله علـى صدر العالم الإسلامي النائم! لو كان مقدراً لهذا العالم الإسلامي أن يموت لمات في خلال فترة الاسترخاء والإعياء. وفي إبان فتوة الاستعمار وقوته ...ولكنه لم يمت ... بل انتفض حياً كالمارد الجبار، يحطم أغلاله وينقض أثقاله، ويتحدى الاستعمار الذي شاخ . وحيثما مد الإنسان بصره اليوم شعر بهذه الانتفاضة الحية وشعر بالحركة والتوفر للنضال، حتى الشعوب التي ما تزال في أعقاب دور الاسترخاء، والتي ما تزال مرهقة بأثقال الاحتلال. حتى هذه الشعوب يدرك المتأمل في أحوالها أن الحياة تدب في أوصالها ويرى خلال الرماد وميض نار، توشك أن يكون لها ضرام . ما الذي احتفظ لهذه الشعوب بحيويتها الكامنة بعد قرون طويلة من النوم والاسترخاء ومن الضعف والخمود، ومن الضغط والقسر، ومن الاحتلال البغيض الذي بذل جهده لتقطيع أوصالها وإخماد أنفاسها . إنه عقيدتها القوية العميقة. هذه العقيدة التي لم يستطع الاستعمار قتلها على الرغم من جهود الاستعمار الفكري والروحي والاجتماعي والسياسي ... هذه العقيدة التي تدعو معتنقيها إلى الاستعلاء لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. كما تدعوهم إلى المقاومة والكفاح لتحقيق هذا الاستعلاء، وعدم الخضوع للقاهرين، أياً كانت قوتهم المادية، لأن القوة المادية وحدها لا تخيف المؤمنين بالله، جبار السموات والأرض، القاهر فوق عباده أجمعين . هذه العقيدة الحية هي التي حفظت لهذه الشعوب المترامية الأطراف قوتها الكامنة، وبعثتها بعثاً جديداً. والذي يراجع جميع النهضات والانبعاثات التي قامت في هذه الرقعة لمقاومة الاستعمار يجدها تستند أصلاً إلى هذه العقيدة.