الراحة
اخلعوا نسيج الكتان عن جسدي و كفنوني بأوراق الفل و الزنبق.
انتشلوا بقاياي من ت***ت العاج و مددوها على وسائد من زهر البرتقال و الليمون .
لا تندبوني يا بني أمي, بل أنشدوا أغنية الشباب و الغبطة .
لا تذرفي الدموع يا ابنة الحقول , بل ترنمي بموشحات أيام الحصاد و العصير.
لا تغمروا صدري بالتأوه و التنهد , بل ارسموا عليه بأصابعكم رمز المحبة و رسم الفرح .
لا تزعجوا راحة الأثير بالتعزيم و التكهين , بل دعوا قلوبكم تتهلل معي بتسبيحة البقاء و الخلود .
لا تلبسوا السواد حزنا علي , بل تردوا البياض فرحا معي .
و لا تتكلموا عن ذهابي بالغصات , بل أغمضوا عيونكم تروني بينكم الآن و غدا و بعده .
مددوني على أغصان مورقة و ارفعوني على الأكتاف و سيروا بي ببطء إلى البرية الخالية.
لا تحملوني إلى الجبانة , لأن الزحام يزعج راحتي , و قضقضة العظام و الجماجم تسلب سكينة رقادي .
احملوني إلى غابة السرو و احفروا لي قبرا في تلك البقعة حيث ينبت البنفسج بجوار الشقيق .
احفروا لي قبرا عميقا كيلا تجرف السيول عظامي إلى الوادي.
احفروا لي قبرا واسعا لكي تجيء أشباح الليل و تجلس بجانبي .
اخلعوا هذه الأثواب و دلوني عاريا إلى قلب الأرض .
مددوني ببطء و هدوء على صدر أمي .
اغمروني بالتراب الناعم و ألقوا مع كل حفنة قبضة من بذور السوسن و النسرين فتنبت على قبري ممتصة عناصر جسدي , و تنمو ناشرة في الهواء رائحة قلبي , و تتعالى رافعة في وجه الشمس سرائر راحتي و تتمايل مع النسيم مذكرة عابر الطريق بماضي ميولي و أحلامي .
اتركوني الآن يا بني أمي , اتركوني وحدي و سيروا بأقدام خرساء مثلما تسير السكينة في الأودية الخالية .
دعوني وحدي و تفرقوا عني بهدوء مثلما تتفرق أزاهر اللوز و التفاح عندما تنثرها أنفاس نيسان .
ارجعوا إلى منازلكم فتجدوا هناك ما لم يستطع الموت أن يأخذه مني و منكم .
اتركوا هذا المكان , فالذي تطلبونه صار بعيدا , بعيدا عن هذا العالم