عبدالفتاح عبدالمنعم يكتب: الجيش المصـــــرى صــانــع الـفــــرح.. نجح فى طرد
الملك فى يوليو 1952 وفرض الأمن والنظام فى أحداث 77 و86 وثورة يناير 2011 ولم يطلق
رصاصة واحدة ضد أى مواطن مصر يحيا الشعب مع الجيش» و«الشعب والجيش إيد واحدة» و«يحيا الجيش» هذه الهتافات
تغنت بها الملايين من أبناء مصر فى كل المحافظات، عقب مشاهدتهم أول دبابة تابعة
للجيش فى الشارع مساء الجمعة الماضى، بعد الفشل الذريع للأجهزة الأمنية فى حماية
المواطنين والمؤسسات العامة، وأدت سياساتهم القمعية إلى نشر الفوضى والنهب والسلب
والقتل لأبناء الشعب الذى خرج فى تظاهرة سلمية، وأصبح الجميع على يقين أنه المنقذ
الحقيقى للبلاد، ولوقف الفوضى، بعد أن حاول نفس البلطجية والميليشيات التى ظهرت
أثناء عمليات التزوير والتقفيل التى جرت فى انتخابات الشورى والشعب الأخيرتين، وكان
بمثابة القشة التى أنهت شرعية النظام، وأوصلت البلاد إلى هذه الحالة، ولم يعد هناك
سوى الجيش الذى دائما مايكون هو المنقذ والحل.
الجيش المصرى على مدى تاريخه
يحظى باحترام كبير لدى المصريين، فهو صانع الفرحة لهم، وهو حصن الأمان الذى يأتى
بالنصر، وبالتالى يظل مصدر فخر المصريين، وكان هذا المعنى حاضراً وبقوة لدى الناس
الذين شاهدوا الجنود، وهم ينزلون إلى الشارع فأمطروهم بالقبلات
والأحضان.
القوات المسلحة الآن تسطر مشهداً جديداً فى سجلها الوطنى فى حماية
أمن البلاد من العصابات التى خرجت عن القانون منذ اندلاع ثورة الغضب، فالجيش هو
الذى قدم الحماية الكاملة للمتظاهرين منذ وجوده فى الشارع، وهو الذى أوقف مخطط بعض
رجال الأمن الذين رفعوا شعار الأرض المحروقة، وهو ما ظهر فى نجاح القوات المسلحة فى
القبض على بعض عناصر الشرطة وبعض البلطجية أثناء محاولتهم نهب المتحف المصرى، الذى
يضم بين جدرانه ثروة مصر القومية، ثم جاءت العملية الثانية، وهى حماية المناطق
السيادية مثل مبنى وزارة الخارجية، ومبنى وزارة الداخلية، ولم يكتف بذلك، بل قام
بنشر رقم خاص بالقوات المسلحة موجه للمواطنين لإبلاغ القوات المسلحة، عن وجود أية
عمليات نهب أو سرقة أو بلطجة فى أى حى من أحياء مصر، هذا الدور للقوات المسلحة أضاف
نوعا من الضمان لأبناء الشعب المصرى.
الدور الوطنى للجيش المصرى بدأ منذ
تأسيسه على يد محمد على، وكان ابنه إبراهيم قائدا له، وبفضله دخلت مصر وقتئذ إلى
مصاف الدول التى كانت لها كلمة مسموعة، وخاض فتوحات عظيمة تحفظها كتب التاريخ، ورغم
الحكم الفاسد قبل ثورة يوليو 1952، ذهب الجيش المصرى إلى حرب فلسطين عام 1948،
ليخوض معركته النبيلة دون غطاء سياسى، وعبر هذه الحرب توصل الجيش إلى أن تحرير
فلسطين يبدأ من تحرير القاهرة من الاحتلال الانجليزى، ومن الحكم الفاسد، وهذا
بالضبط ما قاله جمال عبدالناصر الذى أسس تنظيم الضباط الأحرار، وبفضله تفجرت ثورة
يوليو عام 1952.
قاد الجيش هذه الثورة العظيمة دون إراقة دماء، ولم تقم
الثورة بمحاكمة الملك رغم مطالب البعض بذلك، وإنما أخرجته من الحكم، وسافر إلى
إيطاليا وسطرت تاريخ مصر العظيم بعد أن نجحت فى إسقاط الملك فاروق، وقادت الثورة
أعظم معاركها من أجل توفير العدالة الاجتماعية من خلال قرارات ثورية لصالح المواطن،
وشيدت صروحاً وطنية عظيمة فى الصناعة هى التى تم بيعها فيما بعد بأبخس الأثمان،
ووفرت هذه المصانع فرص عمل عظيمة للخريجين، وأقامت الثورة جيشاً وطنياً عظيماً خاض
كل معارك مصر من أجل استقلالها، واستطاع أن يثأر لنفسه من أخطاء السياسيين الذين لم
يعطوه الفرصة لخوض حرب 5 يونيو 1967، فخاض حرب الاستنزاف المجيدة التى لقنت إسرائيل
دروساً عظيمة، ثم توج مجده، بالنصر فى حرب أكتوبر عام 1973.
ومنذ انتصار
أكتوبر والعلاقة بين الجيش والشعب أصبحت حميمية فالجيش هو قاهر العدو الإسرائيلى،
وهو السيف والدرع الذى سيظل فخرا للوطن، وهو ما جعل الجيش بعيداً عن أية فتنة
داخلية ولا يتدخل إلا إذا تدهورت الأمور فى البلاد دون إطلاق رصاصة واحدة ضد أى
مواطن مصرى مهما كانت الأمور، والدليل على ذلك ماحدث يومى 18 و19 يناير 1977 عندما
خرجت الجماهير غاضبة بعد رفع الأسعار، مما أدى إلى خروج الآلاف من المتظاهرين، ورغم
أن هذه المظاهرات كانت سلمية، إلا أن دخول بعض المندسين بين المتظاهرين أدى إلى
تدهور الحالة الأمنية، فأمر الرئيس الراحل أنور السادات بإنزال الجيش لمواجهة بعض
من استغل غضب الجماهير، وحاولوا إشعال البلاد ونهبها، وهو ما يتكرر اليوم، ونجحت
القوات المسلحة فى حماية البلاد ووقتها عاد الهدوء، وعندما تراجع السادات عن قرارات
رفع الأسعار عاد الهدوء مرة أخرى، وهو ماجعل الجيش يعود إلى ثكناته لحماية حدود
البلاد، وبصفة خاصة مع العدو الإسرائيلى، ورغم بقاء الجيش لعدة أيام لإعادة الأمان
للشارع المصرى، لم يطلق رصاصة واحدة ضد المواطنين.
عام 1986 تكرر المشهد
نفسه، وعرف وقتها تمرد الأمن المركزى الذى خرج ليدمر كل شىء بعد شائعة رفع سن
التجنيد للأمن المركزى إلى 4 سنوات، وهى الشائعة التى روج لها تجار المخدرات، وكانت
تهدف للإطاحة باللواء أحمد رشدى وزير الداخلية وقتها، والذى نجح فى القضاء على
بارونات المخدرات، فخرج الآلاف من جنود الأمن المركزى من معسكراتهم، ودمروا مئات
المحلات فى شارع الهرم والشوارع الجانبية، ثم انتقلت إلى مناطق أخرى، إلا أن الرئيس
مبارك أمر بإنزال القوات المسلحة التى نجحت فى فرض الأمن والقضاء على فلول كل من
خرج عن القانون من جنود الأمن المركزى أو البلطجية الذين نهبوا وسلبوا الكثير من
المحلات والفنادق، وتعامل الجيش مع جنود الأمن المركزى الخارجين عن القانون والذين
أصابوا المواطنين بالذعر والخوف بعد عمليات الحرق والنهب لكل شىء أمامهم، وكادت
البلاد تحترق، خاصة أن بعض معسكرات الأمن المركزى فى المحافظات الأخرى بدأت فى
التمرد، والخروج على الشرعية، ولكن القوات المسلحة حسمت هذا التمرد فى 5 ساعات فقط،
وألقت القبض على العديد من جنود الأمن المركزى، وعدد آخر من البلطجية الذين استغلوا
هذا الحادث للنهب والسلب.
الآن يعود الجيش للشارع مرة أخرى، ويتكرر المشهد
نفسه لنرى فرحة المصريين بوجوده، وهو ما عبرت عنه سيدة مسنة عندما قامت بتقبيل يد
أحد أفراد القوات المسلحة للتعبير عن أنهم الحماية الأخيرة للشعب وللثوار من الشباب
الذى خرج ليتظاهر سلمياً، ولكن حاولت قلة من البلطجية أن تشوه هذا العمل الثورى
الكبير من خلال عمليات نهب منظم، إلا أن المتظاهرين ومعهم الجيش، نجحوا فى فرض
الأمن والأمان، وهو ما يجعل الجميع يؤكد أن أفراد القوات المسلحة هم صناع الفرحة مع
المتظاهرين الذين هتفوا لمصر ولجيشها العظيم..
مشاهد كثيرة شاهدتها فى أعقاب
ثورة الغضب وبعد نزول الجيش المصرى للشارع، وتؤكد جميعها رضا هذا الشعب بوجود الجيش
معهم، فهذه طالبة فى الجامعة الأمريكية تصر على أن تصعد فوق الدبابة لتقوم بوضع
قبلة محبة على جبين الجندى المصرى، وتقول له «هذه هى قبلة بنات مصر للجيش العظيم
الذى جاء لحماية الشعب والثوار من الشباب المصرى»، هذا المشهد تكرر كثيرا لأبناء
القوات المسلحة الذين وقفوا فى ميدان التحرير وأمام مبنى التليفزيون، فهذا شاب من
المتظاهرين الغاضبين يقفز فوق مدرعة الجيش ليلتقط العديد من الصور مع الجنود رافعا
علامة النصر، للتأكيد على أن الجيش هو الملاذ الأخير لتحقيق مطالب الشعب
الثائر.
صورة أخرى تعكس فرحة الشعب بنزول الجيش، تمثلت فى قيام الجماهير
بتقديم الورود، وصفقوا لجنود الجيش الذين كانوا على متن دباباتهم كما تعاون الشارع
مع الجيش للقبض على الخارجين على القانون فى شوارع وحوارى مصر، ليدعم ثقة الشعب فى
جيشه الذى استجاب لكل من لجأ إليه، وحتى الآن الجيش هو الفرحة الوحيدة فى مشهد ثورة
الغضب التى انطلقت فى 25 يناير، لتظل العلاقة بين الشعب والجيش علاقة حب واحترام
وتقدير وحماية من جانب الجيش للأمن القومى المصرى داخلياً وعلى حدوده.