شهداء منسيون في ثورة مصر
مجدي مصطفى-القاهرة
بين مئات الشهداء الذين قضوا في الثورة الشعبية التي عاشتها مصر يوجد من
عرف الناس بهم، لكن في بعض الأقاليم النائية البعيدة عن المدن الكبرى شهداء
آخرون لم يسمع بهم أحد، رغم أنهم ضحايا معادلة "شرطة وبلطجية وسجون"، ولا يعرف ذووهم البسطاء إلى من يتوجهون بشكواهم، ومن يستمع لهم.
ففي ميت سلسيل تلك البلدة التي تبعد حوالي200 كيلومتر شمال القاهرة سقط
شهيدان برصاص "الميري" الحي في واقعة تعد فريدة من نوعها وفي تفاصيلها،
فالشرطة استنجدت بالأهالي لحماية مركزها ثم فاجأتهم بإطلاق الرصاص الحي
عليهم ليسقط شهيدان ويصاب عدد آخر بجروح.
توجهت الجزيرة نت إلى هناك للاستماع إلى أهالي تلك البلدة الواقعة في
شمال محافظة الدقهلية حيث يروى من التقتهم من أهالي تلك البلدة الوادعة
وقائع تلك الليلة المروعة.
وقال الأهالي إنه بعد انتصاف ليلة 30 يناير/كانون الثاني الماضي استيقظ
جميع الأهالي على نداء ينبعث من المسجد الكبير موجه من مأمور المركز إلى
المواطنين للدفاع عن بلدهم من هجوم بلطجية قادمين من بلدة أخرى تتبع مركز
المنزلة المجاور تدعى الشبول واستحثهم على التوجه لحماية المركز.
قصص استشهاد
ويروي عادل محمد قريب الشهيد أحمد شحاتة عيد الذي استشهد في
تلك الليلة، أن جميع الأهالي شبابا وشيوخا ونساء وأطفالا تجمعوا أمام
المركز بالآلاف لحمايته.
لكن الأهالي فوجئوا بعد تجمعهم بإطلاق الرصاص الحي على عدد منهم، فسقط
الشهيدان أحمد شحاتة عيد (54 عاما) إثر إصابته برصاصة في صدره، والشاب خالد
محمد إبراهيم (20 عاما) بنفس السبب، في حين أصيب عدد آخر وسط حالة من
الذهول عمت الجميع.
الشهيد أحمد لا يملك من حطام الدنيا إلا ساعده، حيث يعمل باليومية، وأجره
هو الدخل الوحيد لأبنائه الخمسة، وأكبرهم لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره،
والأربعة الآخرون أطفال في عمر الزهور تلاميذ في مرحلة التعليم الأساسي.
أما أرملته فلم تفق من هول الصدمة بعد، ولا تزال في حالة من الذهول لا
تستطيع معها الحديث عن الفاجعة، لأنها كغيرها من الأهالي الذين لم يعرفوا
حقيقة هذا اللغز كما تصورونه.
ولا تختلف حالة الشهيد الشاب خالد محمد حسن (19 عاما) والطالب بالسنة
الثالثة بكلية الكفاية الإنتاجية كثيرا، فقد هب كبقية أهالي البلدة -كما
يقول والده محمد حسن- للدفاع عن البلدة بعد أن زاد نداء التحذير المنطلق من
المسجد أن عصابة البلطجية تريد سرقة البلد وهتك الأعراض.
ويحتفظ والد الشهيد بنص النداء الموقع من مأمور المركز العقيد أسامة
العزازي الذي جاء فيه "على أهالي ميت سلسيل الخروج إلى الشارع والتجمع أمام
مركز الشرطة للمساندة في مقاومة البلطجية الذين يريدون سرقة البلد".
ولدى عودة والد الشهيد خالد إلى منزله فوجئ بصراخ وعويل الجيران ومن في
المنزل ليرى ابنه الذي كان يرجوه طويلا محمولا جثة هامدة على أيدي من
وجدوه طريحا إثر إصابته في صدره.
ذهول
والعجيب أن الأهالي أمسكوا بثلاثة من البلطجية وسلموهم إلى الشرطة، لكنها
أخلت سبيلهم، وكان الذهول أكبر لدى عودة الأهالي فجرا من تشييع جنازة
الشهيدين ليجدوا السجن المركزي في البلدة الذي يضم المئات مفتوحا وخاليا من
المساجين.
ولم يختلف الحال بالنسبة لمركز الشرطة المجاور الذي هجره الضباط والجنود وتركوه خاليا.
كما فوجئ الأهالي بثلاث جثث لمساجين ملقاة على الطريق أثناء انشغالهم في
تشييع الشهيدين، وكأن من قتلهم في السجن أراد أن يحمل الأهالي المسؤولية عن
قتلهم، ليشعل نار فتنة بين أهالي البلدة، وبلدة هؤلاء المسجونين الذين
قتلوا.
ويؤكد عدد من الأهالي الذين التقتهم الجزيرة نت ومنهم ماجد غانم أن الضحايا
سقطوا برصاص شرطة المركز وبأمر من رئيس المباحث، كما يؤكدون أن فتح السجن
وإطلاق مئات المسجونين تم بمعرفة الشرطة نفسها وليس أحد آخر.
ويستغرب هؤلاء من إقامة سجن مركزي حديث وحصين مبني بالخرسانة وسط بلدتهم
التي تغص بالسكان ويضم المئات من المعتقلين رغم وجود سجون مركزية أخرى في
مناطق قريبة ومجاورة مثل الجمالية والمنزلة والمطرية.
ظل الأهالي نحو 16 يوما يحمون بلدتهم بأنفسهم في غياب كامل للشرطة التي
عادت على استحياء لتحرس سجنا خاليا ومركزا للشرطة لا يضمن الأمن للأهالي
الذين يخشون انتقام ذوي المساجين القتلى بأية صورة.
والحالة في مجملها -كما يقول الضابط السابق في الجيش المصري سيد محمد-
تتطلب تحقيقا أمينا لحل اللغز، وتحديد المسؤولية ومحاسبة المتورطين في سقوط
الضحايا من المدنيين وتعويضهم، دون أن يمر الأمر مرور الكرام، خصوصا أن
أهل الضحايا لا يعرفون إلى من يتوجهون للتعريف بمآسيهم ونيل حقوقهم.