أسعد الناس في الحج
أسعد الناس في الحج من جمع تسعة أمور:
الحج رحلة شاقة وصعبة تضيق فيها النفوس وينفذ فيها الصبر إذ تأتي وفود الحجيج من القارات الخمس على اختلاف لغاتهم وألوانهم وأحوالهم فيركبون البحار حينا ويقطعون القفار حينا آخر ويتجشموا الأخطار ويتعرضون للمخاوف مخلفين ورائهم مشاغل الدنيا وما يتبع ذلك من فراق الأهل والأوطان وتحمل التزامات الإحرام ومحظورا ته وكلهم يجمعهم شعار واحد (فإلهكم اله واحد فله اسلموا )ويهتفون بأصوات خاشعة ( لبيك اللهم لبيك ) فتؤكد هذه الوفود ما يجب على الناس جميعا لله سبحانه من طاعة مطلقة وانقياد تام وذكر وشكر وتوحيد وتمجيد فمن تأمل أعمال الحج ومناسكه وأركانه فكله تمرين على طاعة الله والانقياد له وسعي وراء الأمر ومن اجل ذلك أوصانا الله في أداء مناسك الحج فقال سبحانه ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) لكن لماذا حذرنا الله من هذه الأمور لان الحج جهاد وسفر شاق ينتقل الحاج فيه من طور إلى طور ومن مكان إلى مكان ومن حال إلى حال ومن نسك إلى نسك ومن عبادة إلى عبادة تتنوع في المعاملات وتكثر فيه التنقلات فكان سفرا شاقا والسفر يسفر عن أخلاق الرجال ومن هنا لما سال عمر عن رجل فزكاه رجلا وأثنى عليه فقال هل سافرت معه قال لا قال هل جاورته قال لا قال هل عاملته بالدينار والدرهم فقال لا فقال أنت ما تعرفه ولذلك حذرنا الله من الجدال لان الحج فيه نزول وارتحال ومكث وانتقال وعقد ونكث فالحاج يتقلب بين مكة ومنى وعرفات ومزدلفة ثم يرجع إلى منى ومكة فيقيم ويرحل ويمكث ويتنقل ويخيم ويقلع إنما هو طوع الإشارة ورهن الأمر فليس له ايرادة ولا حكم ينزل منى فلا يلبث إلا يؤمر بالذهاب إلى عرفات فيشتعل بالدعاء والعبادة فما أن تغرب الشمس حتى يؤمر بالذهاب إلى مزدلفة فهو بين نزول وارتحال ومكث وانتقال ووصل وهجر وحل وعقد وهذه التنقلات تأتي بالجدال والخصومات والنزاعات ولذلك قال الله ( ولا جدال في الحج)
إما الفسوق فنتيجة اختلاط الرجال بالنساء والعكس في المطاف والمسعى وفي المشاعر حتى تورط البعض في المعاصي ولاشك أن الزحام والأعداد الكبيرة التي في المشاعر يجعل ضعاف الإيمان يتورطون في الأخلاق السيئة وإما الرفث فالرجل قد يقع على أهله عندما يكثر النظر الحرام يمنة ويسرة في المشاعر فقد يفسد حجه وأعلى الرفث الجماع )
نحن جئنا من أماكن بعيده نبتغي فضلا من الله ورضوانا ونريد أن نري الله من أنفسنا خيرا فنتعرض لنفحاته ونبتغي فضله ورضوانه ومن اجل ذلك يجب علينا أن نتعلم كيف نؤدي هذه العبادة على أكمل الوجوه ونتيجة جهل البعض بالزمان والمكان بالمشاعر كعرفات ومزدلفة ومنى عرض البعض حجه للفساد أو للخلل فبعضهم وقف خارج عرفات ومنهم من ترك المبيت بمزدلفة ولذلك يجب معرفه الزمان والمكان بهذه المشاعر حتى نفوز بهذه الكر مات والفضائل التي وعد الله بها من حج بيته أو اعتمره لان البعض يظن إن الحج هو أن يذهب إلى مكة وانه بمجرد الوصول ودخول الحرم انه قد أدى ما عليه حتى إن بعضهم ترك الصلاة وتهاون في طاعة الله بحجج واهية تنم عن جهله بحقيقة هذه الطاعة الأمر الذي جعل البعض يرجع صفر اليدين لعدم الإتيان بالشروط دع عنك المحال يا من تعنى ليس ينال فضل الحج إلا من بر وصدق وارى الله من نفسه خيرا فهذه الكرمات التي وعد الله بها حجاج بيته ليست ضربا من الأحلام ولا تأتي بالدعاوى ولا بالأماني بل تحتاج إلى صبر وجلاد هذه الكرمات تحتاج إلى أمرين صلاح الظاهر وصلاح الباطن وجعل السفر سفر طاعة فليست العبرة في المشاعر من سبقت راحلته إنما العبرة كيف تفوز بجوائز الحج المرصودة فأري الله من نفسك خيرا أما من جعلها نزهة وفرط في طاعة الله وبحث عن رفقة تسلية في حجة يا فلان ما يصلح الحج إلا بك و اكتفى بأنه قد حمل لقب حاج فليس له من حجة إلا التعب والنصب لذلك قد ياتي الحاج باركان الحج وشروطه وواجباته هناك امور اخرى لابد من اجتنابها كالرفث والفسوق وسوء الاخلاق لان الله رتب المغفرة التامة لمن حققها وهذا الامر في بقية اركان الاسلام فرب صائم ترك طعامه وشرابه وشهوته وليس له من صيامه الا الجوع والعطش لانه صام عما احل الله ولم يصم عما حرم الله من الجهل والزور والعمل به وهذا الامر ايضا في الصلاة فقد ياتي المصلي باركان الصلاة وشروطها وواجباتها ولكن قلبه ساه لاه غافل فقد ينصرف من صلاته ولم يكتب لها منها شيء وعليه لايكفي ان الحاج ياتي الاركان والشروط والواجبات حتى يراعي المعاني الخفية في هذه العبادة وذلك اجتناب المعاصي وحسن الاخلاق مع الحجيج ومن هنا كان الحج إلى بيت الله الحرام ركنا من أركان الإسلام وشعيرة من شعائره العظام فضله الله وشرفه واجزل المثوبة لمن حجه واعتمره وجعل لمن حج بيته الحرام فضائل عظيمة وجوائز عديده فالكثير نظر الى فضائل هذه العبادة دون أن ينظر إلى شروط هذه الفضائل والجزاء معلق بالشرط فمن راعى هذه الشرائط فليبشر بما رصده الله من جوائز لمن حج بيته واعتمره
فمن أعظم جوائز الحج:-
(1) الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ففي الحديث الصحيح ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ومعنى الحج المبرور هو الذي لا معصية فيه يا سلعة الرحمن لست رخيصة على الكسلان
(2) انه سبب لمغفرة الذنوب ففي الحديث الصحيح ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) فرتب الله على هذه المغفرة هذه الشروط وكثيرا من الناس يغفل عن هذه الشروط فمن أراد أن يحج حجا تمحى به الذنوب فليجعل السفر سفر طاعة ويري الله من نفسه خيرا فقد رتب الله على المغفرة عدم الإصرار على المعاصي فمن حج وهو مصر على ترك الصلاة أو أكل الحرام أو عقوق الوالدين فليراجع نفسه لان الله يقول ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) النتيجة بعدها ( أولئك جزاؤهم مفغرة من ربهم ) ومما يحسن ذكره أن رجلا ذكر عن حاج انه أكل مال احد العمال ثم انكره في ذلك المال وقال اذهب إلى من شئت ما عندي لك شيء هذا الحاج كيف يطلب المغفرة وهو مصر على أكل أموال الناس ظلما وعدونا
(3) الحج سبب للعتق من النار ففي فضل يوم عرفة (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء يقول انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين أي تغير لونهم من الشمس جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم يرى من يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة) رواه ابن خزيمة وابن منده وإسناده حسن متصل عند ابن منده في التوحيد فيوم عرفة فريد في معناه ومظهره لاتسمع فيه إلا تأوهات التائبين وانين الخاشعين وضراعة المفتقرين
(4) سبب لنفي الفقر والذنوب ( تابعوا بين الحج والعمرة فانهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ) رواه الترمذي
فإذا تبين لنا هذا فما هي دلائل الحج المبرور تسعة أمور :-
1- صلاح العقيدة:- لان من كانت عقيدته فاسدة فحجه مردود عليه فضلا عن أن يغفر الله له . فبعض الناس يعتقد في الجن الضر والنفع ويطوف بالقبور ويعتقد في الكعبة مع أن عمر وقف عند الحجر وقال له:- والله إني لأعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك وقال كاتب هذه الأسطر امرنا بالطواف بالكعبة وامرنا باستقبالها في الصلاة فلا نعظمها إلا وفق أمر الله وعندما يطوف احدنا بالبيت الحرام يجد قلبه يتجه إلى السماء ويقول يارب يقول الله ( فليعبدوا رب هذا البيت) ولم يقل فليعبدوا هذا البيت فبعض الحجاج يعتقد في الكعبة أو يعتقد في الأشخاص مع أن الله قال ( إن الأمر كله لله ) فلا تخاف إلا الله ولا تسال إلا الله ولا تدعو إلا الله ولا تستعين إلا بالله فالله أكرم من سئل حتى انه قد يستجيب لكافر ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) فمن اخلص لله في دعاءه نجاه الله فلا تعلق قلبك بأحد غير الله) نعم قد يؤخر الله إجابة دعاءك امتحانا لك فلا تستعجل تقول دعوت فلم يستجب لي
2- المحافظة على الصلاة:- لان من الحجاج من لا يصلي أصلا ومعلوم للجميع أن تارك الصلاة كافر ومن هنا لما قدم وفد الطائف على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد نحن نسلم بشرط أننا ما نصلي فقال لماذا قالوا لان الصلاة فيها دناءة يقصدون السجود فقال (دين لا صلاة فيه لا خير فيه) وفي رواية (لا خير في دين لا ركوع فيه) وفي رواية أنهم اشترطوا ترك الصلاة والزكاة والجهاد فقلب رسول الله يديه وقال( بماذا تلقون الله به ) ونقول لترك الصلاة بماذا تلقى الله به غدا حتى لو مت في الحج وأنت تارك للصلاة بماذا تلقى الله وهي أول ما تحاسب عليه
3- الإخلاص في الحج:- لان الحج يدخل فيه الرياء والسمعة بشكل عجيب فقد ترى من لايصلي ولا يصوم ويريد الحج ومنهم من يتباهى بانه حج في حملة بعشرة الآف أوانه يحج كل سنة فتراه يزاجم ويتعب ويسعى و يطوف ويعود مأزورا غير مأجور والسبب لانه لم يخلص لله وفي الحديث ( اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة ) لان مريد الخير كثير ولكن من يريد وجه الله قليل فكم رأينا من يقول أريد الحج ولكنه لا يصلي ولا يصوم فإذا كان يرد الله فلماذا لا يصلي أن الله ذكرنا بالإخلاص في كتابه في ثلاث ( الا لله الدين الخالص ) وقال ( قل إني أمرت أن اعبد الله مخلصا له ديني )( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) والآيات كثيرة في ذلك ورد في الحديث وان كان فيه ضعفا عند ابن مردويه ( يحج الناس إلى هذا البيت الحرام تحج ملوكهم لهوا وتنزها وأغنياؤهم للتجارة ومساكينهم للمسالة وقراؤهم رياء وسمعة) فكل إنسان يراجع نيته ويتهم نفسه ويعتقد التقصير نعم الله قد يقبل نصف صلاتك ولكن لا يقبل نصف نيتك لابد أن يكون العمل خالصا لوجه الله العظيم فردد على الدوام اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة
4- ترسم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج :- ففي الحديث ( خذوا عني مناسككم) فنتعلم صفة حجة ونحرص على تطبيق سنتة حتى في يسير الأمور ولا نزيد فيها ولا ننقص وذلك في جميع مناسك الحج فنطوف كما طاف رسول الله بالبيت سبعا فلا نزيد ولا ننقص و نرمى الجمار بالحصى سبعا فلا نزيد وننقص منها شيئا بل لا يجوز أن تكون من الإسمنت أو الخشب لابد أن تكون حصى ونرمى بسبع حصيات كل جمرة فنتقيد بالعدد وان تكون حجارة وننوي قبل الرمي ونراعي الترتيب ولا نجتهد في قول غير مأثور ولا نفعل أفعالا لم يفعلها رسول الله كمن يرمى بحذاءه أو نحوها
5- الصبر:- فما من عمل صالح إلا كان دونه ابتلاءات وامتحانات فمن أراد الحج والعمرة فعليه أن يوطن نفسه على طاعة الله والحج يحتاج إلى صبر فأحيانا لا ينضج الناس إلا على لهب الأحداث والمشاكل كما انه لا ينضج الطعام الاعلى لهب النار وكما انه لا ينضج الزرع إلا تحت لهيب الشمس فبعضهم بمجرد ما يسمع أن هناك زحام يرجع حتى انه رجع أقوام عند أبواب الحرم لما رأوا الزحام على الأبواب ثم خذلوا من خلفهم وما يدريك أن الزحام والعرق والنصب وضياع النفقة والرفقة والضيق الذي تجده في المشاعر يحت عنك ذنوبا وخطايا لا تغفرها صلاة ولا صيام ولا صدقة وما يدريك لعل هذه الهموم والضيق والحرج يكفر الله بها خطاياك ويرفع بها درجاتك فلا تنالها بكثرة صلاة ولا صيام هذا سفر يحتاج إلى صبر لأنه جهاد فلا يكثر منك الخوف والوجل بل دائما تدعوا الله في أن يفرغ عليك صبرا وتطلب منه الإعانة والتيسير وسترى لطف الله وإعانته لك بل انك لسوف ترى أقواما في منتهى الضعف والعجز وترى اعانتة الله لهم ونقول لأقوام طافوا ثلاثة أشواط ثم قطعوا حجهم أو عمرتهم لأي سبب كان إما لخلاف بينهم أو لخوف ما أيا كان السبب أنت لازلت محرما وتتحمل محظورات الإحرام ويجب عليك أكمال نسكك مااهون الدين عند الناس من أراد أن يحج فليعظم شعائر الله وصدق الله ( ما قدروا الله حق قدره ) وعلى قدر نيتك ترزق الهداية والتيسر( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى)
6-النفقة الحلال:-لان الله طيبا لا يقبل إلا طيبا ففي الطبراني عن أبي هريرة ( إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك قال الملك لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مازور وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فقال لبيك اللهم لبيك قال الملك لا لبيك ولا سعديك زادك حراك ونفقتك حرام وحجك غير مبرور ) فأئده بعض الناس افسد حجة لكثرة منه ( ولا تمنن تستكثر) بعضهم بمجرد تأخر الباص أو حصول أي خلل تجده مباشره يدخل في الخصام فيقول نحن خسرنا أكثر من خمسة عشر ألف ريال هؤلاء أكلوا أموالنا فيستكثر هذا المال الذي أنفقه في طاعة الله ودفعه ليستعين به على الطاعة فكان سببا لفساد حجة بكثرة الجدال أقول للجميع يقول الله ( ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة إلا كتب لهم به عمل صالح ) فعلاما هذا الخصام نعم يجب على أصحاب الحملات الوفاء بالعقود فان وفى لك صاحب الحملة فهذا الواجب عليه وان لم يوفي لك فلا تفسد حجك وهذا المال أنفقته في طاعة الله فهو مذخور لك عند الله
7- الحرص على حسن الخلق لمن تصاحب والحرص على تفريج كربات الناس ومساعدة الضعفاء والتائهين وحسن الخلق نعمة منها ما هو رزق من الله ومنها من ما هو مكتسب والخلق هو كف الاذى واحتمال الاذى وبذل الندى وحسن الخلق نعمه عظيمة توجب دخول الجنة سئل رسول الله عن اكثر شيء يدخل الجنة فقال ( تقوى الله وحسن الخلق ) رواه البخاري واعظم الاسباب المعينة على حسن الخلق الدعاء ( اللهم اهدني لاحسن الاخلاق ) ومنها قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد اثنى الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق سواء في حلمة او شفقته او اخلاقه وورد عند ابن كثير في قصة اسلام حاتم الطائي ( انه لما وقفت سفانة بنت حاتم عزيزة بنت عزيز تشكوا حالها وهي في الاسر فقالت يامحمد ان ابي كان يقرؤ الضيف ويطعم الجائع ويكسو العاري ويحمل الكل ويعين على نوائب الحق وما يرد طالب حاجة فقال من ابوك فقالت حاتم الطائي فقال خلو سبيلها فان اباها كان يحب مكارم الاخلاق ولو كان مسلما لترحمنا عليه ) فلما خرجت ارسلت الى اخوها حاتم تسفه رايه وعقله وقالت اين انت من هذا النبي الكريم من يفر عنه فما كان منه الا ان حمل متاعه حتى دخل المدينه فراى من رسول الله ثلاثة مواقف عظيمة دعته الى اشهار اسلامه قال انطلقت مع رسول الله فاستوقفته امراة على جانب الطريق فوقف معها حتى قضى حاجتها فقلت والله ما هذه اخلاق الملوك وانها لأخلاق الانبياء ثم انطلقنا فاستوقفه صبي فوالله ما نزع يده من يدي وما زال مع الصبي حتى قضى حاجته فقلت والله انها لأخلاق الانبياء ثم دخلنا حجرته فرمى علي وسادة من ادم حشوها ليف فقلت لا ؟ فابي فجلس على الارض وجلست على الوسادة فقلت اشهدالا اله الا الله وان محمد ا رسول الله ولكن لايكون حسن الخلق محمدة الا اذا اريد به وجه الله وهذا يعطينا درسا عظيما ان رسول الله لم يكن نطاقا محصورا كان رسول الله مع اهله كاحسن زوج مع زوجته بمجرد ما يدخل البيت يكون في خدمة اهله فاذا اذن ما كأنه يعرفهم ولذلك هذا الدين ليس منحصرا في شيء معين الجنة لها ثمانية ابواب بعض الناس يظن ان الجنة لاتطلب الا بالركوع والسجود فقط انها تطلب ايضا بالابتسامة وتطلبها بالكلمة الطيبة تطلبها بتفقد احوال اولادك والجلوس معهم والاستماع الى همومهم لان السلعة الغالية جعل الله لها ابواب كثيرة ومفتوحة لمن اراد ان يتعرض لرحمة نسال الله ان ننادى من ابوابها الثمانية فالمسالة تدور حول الشعور دائما بمن حولك ولا تكن ناسيا لهم هذا الحسن والحسين لما تعودوا ارتحال ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت فلما دخلوا المسجد وهو ساجد ارتحلوه لانهم اعتادوا على ذلك وكان الرسول يعتكف وما منعه ان يشعر بحق الغير تزوره زوجته صفية ويباسطها ولايقف الامر عند ذلك بل ويقوم معها الى باب المسجد خلاصة الكلام اهمية الشعور بمن معك من قريب او صاحب فالحاج ينبغي عليه حسن المعاملة مع الناس بالقول والفعل وان يأخذ بالرفق بمن معه وخصوصا النساء اللاتي معه فبعض الحجاج قد يعتدي على زوجته بالضرب أو بالسب أو سوء الأخلاق امام الناس وبئسما صنع حتى وصل الحال ببعضهم في الوكالة اثناء الرمي انه يمتنع بعض النساء عن التوكيل وهن قويات ومع ذلك يجبرها على الوكالة ونحن نعرف أن في الحج فرص كثيرة لمن أراد ان يباشر الرمي من الضعفاء و من هنا جعل الله دون مغفرة الحج ابتلاءات وامتحانات ( ليميز الله الخبيث من الطيب ) لماذا لان الله قال ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) يعني ان الله ما كان ليقول لنا هذا منافق وهذا مؤمن وهذا طيب وهذا خبيث ولكن بالامتحان يظهر الصادق من الكاذب وعلى كل حال ضمن الرسول صلى الله عليه وسلم ببيت في وسط الجنة لمن تركح الجدال والخصام ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال وهو محق وزعيم ببيت في اعلى الجنة لمن حسن خلقه ) فخير الناس انفعهم للناس وأصبرهم على الاذى
8- الحرص على التوبة النصوح والكف عن المظالم وعفة الجوارح عن أذية المسلمين:- فلا يؤذي احد ففي الحديث ( هذا يوم من ملك سمعه وبصره غفر له ) لان الرحمة يحال بين العبد وبينها بسبب الذنوب كيف يرحم الله عبدا وهو عاق لوالديه او قاطع ارحام او او مضيعا لحقوق العمال او الخدم ستة اشهر اوأكثر وهو يماطلهم حقوقهم والمشكلة الكبرى الاصرار على المعاصي ومن هنا اذا دخل الحج وهو خفيف الحمل من الذنوب بورك له في الحج اما عفة الجوارح فلان الحج فيه تنقل من حال إلى حال ويكثر فيه الاختلاط وتتنوع فيه المعاملات فكان سببا لكثير من المحظورات والمناقشات وتضيق فيه النفوس وينفد فيه الصبر فيتورط البعض في المعاصي والأخلاق السيئة فكان من ملك نفسه غفر له ومن هنا قال الله للصحابة( يا أيها الذين امنوا ليبلونكم بشيء من الصيد تناله رماكم وايديكم ليعلم الله من يخافة بالغيب ) فكان الوحش والطير تغشى الصحابة في خيامهم وتمسها الايدي والرماح ليظهر الله طاعة من يطيع ومن يعصى وكذلك الحج والعمرة ترى نساء امامك ومعك وبجوارك ليعلم الله من يخافه بالغيب فيتورط البعض في سوء الاخلاق او المعاصي
9- استشعار أين هو وكيف حاله :- فقد جمع الله في الحج حرمة المكان والزمان فأما المكان ( إنما أمرت أن اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ) النمل أما حرمة الزمان( الحج اشهر معلومات) ومن هنا كان سفر الحج سفرا شاق تضيق فيه الأخلاق وينفد الصبر ويتورط البعض في المعاصي والأخلاق الرديئة فمن ملك نفسه ونجح في هذا الاختبار الصعب رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه
ومن دلائل الحج المبرور شهود منافعه ( ليشهدوا منافع لهم ) سواء كانت دينية أو دنيوية.
فأما الدينية فهي سبعة:-
1- رؤية بيت الله الحرم فهو قبلة المسلمين والنظر إليه عباده
2- التشرف بالطواف به وهو عبادة مستقلة يجوز الطواف به في غير عمرة ولا الحج كما انه لا يجوز الطواف بغير البيت الحرام
3- الصلاة في المسجد الحرام وفضلها مشهور
4- الحج والعمرة
5- انه هدى للعالمين والمراد بالهدي علم وعمل وهما سبب لزيادة الإيمان
6- من دخل البيت الحرام كان أمنا فلا يسفك فيه دم ولا يعضد شجره ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقيطته ومن العجائب أن بعض الحجاج فقد بعض متاعه فقال معاتبا لربه أين الأمن يا رب وهذا جهل منه لان الله سبحانه جعل ايضا عضد الشجر وقتل الحمامة ولقطة الحرم حرام فلو خالف الناس لكان الخلل منهم وعليه فالامن هنا معناه الأمن الشرعي وليس امنا كونيا لايمكن مخالفته
7- ومنها وجود زمزم أفضل ماء على وجه الأرض وهو طعام طعم وشفاء سقم ومن خصائصه أن المنافقين لا يتضلعون منه ويقولون عنه انه مالح ولا يصلح للشرب
أما المنافع الدنيوية:- فهي التجارة والتعارف الذي يحصل بين الحجاج إلى غير ذلك
الخاتمه
بحكم أنني شاركت في الحج مواسم عديدة مرشدا وموجها وتقلبت بنا الأحوال وشاهدنا من المواقف الشيء الكثير وسمعت من الأسئلة والاستفسارات الشيء الكثير وزرت العديد من المخيمات وشاهدت تعجل الحجاج بالرحيل في الأيام المعدودة أقول للجميع وكأنني معهم أثناء الرحيل لقد أكلنا كثيرا وما ينبغي لنا أن نأكل كثيرا وأكثرنا من الكلام والقيل والقال وما كانت أيام الحج كذلك أن الحج ليس رحلة ميتة يذهب الناس إلى الحج ثم يعودوا مكتفين بان يحمل احدهم لقب حاج ويكون محملا بالهدايا بل أن الله أمر الحجاج عند الانتهاء من مناسك الحج بالإكثار من ذكره كذكر الآباء أو شد ذكرا ومن تأمل كلمة الذكر في آيات الحج يجد هذه الكلمة تتكرر كثير ففي سورة الحج ( واذكروا الله في أيام معلومات ) وقال أيضا ( واذكروا الله في أيام معدودات) وفي الحديث ( أنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار من اجل إقامة ذكر الله ) رواه احمد ومناسك الحج لا تعقيد فيها ولا صعوبة إنما يذكر العبد ربه قائما وقاعدا وعلى جنبه وفي جميع الأحوال ويأتي بها القوي والضعيف وفي جميع الأحوال ومن المفترض علينا في الحج وبعد الانتهاء من مناسكه ألا يكون لنا عملا سولا الإكثار من الذكر والاستغفار
وقد قسم الله الحجاج إلى صنفين في نهاية آيات الحج في سورة البقرة فذكر
منهم من غرضه نيل الدنيا فقط لان هناك من يعيش لبطنه ونيل شهواته فقط حتى انه قد يفسد حجة لأتفه الأسباب وفيهم يقول الله في ( ومنهم من يقول ربنا أتنا الدنيا وماله في الآخرة من خلاق) ومن لم يملأ الرحمن قلبه ملأه الشيطان فلا فراغ قال العلماء من غلب عليه حب الدنيا شق عليه كل ما يذكره بمبدأه ومصيره وما يصور له من حساب فليضل من يضل وليؤمن من يؤمن فان كل إنسان سوف يجني ثمرة كدحه على حد سواء فإياكم أن تكونوا من أبناء الدنيا فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل
ومنهم من يريد الاخرة يبتغى من الله فضلا ورضونا وجعلوا هذا الهدف نصب أعينيهم لان الإيمان قد ملأ قلوبهم وفيهم يقول الله( ومنهم من يقول ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وختم الله سبحان بان كل واحد منهم سيجني ثمرة كدحه على حد سواء فقال (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب )
كأن شيا لم يكن اذا انقضى وما مضى مما مضى فقد مضى
فهنيئا لمن مضى له سابقة خير وطاعة عند ربه وهنيئا لمن وفق لاستكمال الخير وداوم على طاعة ربه فاستمر بعد الحج على طاعة الله اللهم اجعلنا من الواصلين المواصلين المرابطين على طاعتك ومحبتك ومرضاتك
وبهذا نكون جميعا قد وقفنا على هذه النتيجة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة فمن أراد أن يفعل هذه العبادة ويتلبس بالحج فليجعلها نصب عينية حتى يفرغ منها فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة نسال الله العظيم أن يعيننا على الإخلاص والصدق معه فليس لنا إلا أن نفزع إليه ونعتصم به هو مولنا فنعم المولى ونعم النصير