محمد رمضان.. أهمله أهل الفن حيّاً وتاجروا به ميّتًا .. عاش يتيمًا وحصل على الجنسية المصرية في 2010 .. واخر ماكتبه على صفحته " صباحكم ضحك "
المخرج الشاب محمد رمضان
تمامًا مثلما يوجد حولنا من يطلق عليهم "كدابين الزفة" يوجد أيضًا "متاجرين الدفنة"، أو بالأحرى من يزرفون دموعًا كاذبة على أناس رحلوا عن الحياة في صمت، هؤلاء ازدادوا كثيرًا مع هامش الحرية الذي اتسعت عباءته بعد ثورتين قام بهما شعب يريد الحياة بكرامة.
بالأمس اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي نحيبًا على رحيل المخرج الشاب محمد رمضان، وبدت التعليقات متباينة ما بين أناس يلومون الفقيد على ذهابه مع بعض الأصدقاء لسانت كاترين، وآخرين يسبون الدولة بأفظع أنواع الشتائم ويلقون باللوم على الأجهزة الأمنية والسياسية التي يرون أنها تقاعست كثيرًا عن إنقاذ هؤلاء الشباب، ويبقى المخرج محمد رمضان هو الأكثر شهرة بين مجموعة الشباب الذين راحوا ضحية حادث أليم من المؤكد أنه حدث دون قصد - سواء منهم أو من جانب من أهمل في إنقاذهم - لا شك هناك إهمال، هذا صحيح، ولكن ليس هناك هذا القصد الذي يروج له العديدون على صفحاتهم.
هذا المخرج ولد في القاهرة لأب فلسطيني وأم مصرية، تخرج في المعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون عام 2010، ووقفت مسألة عدم حصوله على الجنسية المصرية حائلًا دون تعيينه معيدًا بالمعهد، إلا أنه حصل عليها في أعقاب ثورة 25 يناير – حسب تأكيدات صديقه المخرج أحمد صلاح سوني - وعين بالفعل بعدها معيدًا بالمعهد، وعاش رمضان يتيمًا بعد رحيل أبويه وكان العائل الوحيد لشقيقاته الثلاثة، حياته كانت قصيرة ولكنها مليئة بالحيوية والأحلام، رحل "رمضان" بطيبته الشديدة التي يشهد لها كل أصدقائه وبقي في الحياة من يحاولون المتاجرة بموته، وللأسف هناك عدد ليس قليلاً من المخرجين الذين لم يقدموا له يد العون أو يطلبوه للعمل معهم في أعمالهم كمساعد، وفي المقابل تلقفه بعض الأصدقاء الذين سبقوه بسنوات قليلة في معهد السينما، وكان على رأسهم المخرج أحمد رشوان الذي أكد لـ "البوابة نيوز" أنه كان يستعد لإخراج فيلم "بصرة" وأن أحد أصدقائه قد رشح "رمضان" له للعمل معه في هذا الفيلم، وكان الراحل وقتها طالبًا بالسنة الأولى بالمعهد، وبالفعل تقابل معه وأبلغه أن مجموعة مساعدي المخرج قد اكتملت ولكن من الممكن أن يستعين به كمدير للإنتاج مع مجموعة أخرى، وأضاف "رشوان" أن "رمضان" وافق على الأمر وعمل معه في هذا الفيلم وبعدها توطدت علاقتهما وأصبحا صديقين وشاركا سويًا بأعمالهما في العديد من المهرجانات الدولية والمصرية، حيث شارك رمضان بفيلمه القصير "حواس" ونال إعجاب الكثيرين وحصل من خلاله على عدة جوائز، وكان رمضان - بفضل حبه للحياة - بارعًا في تكوين صداقات جديدة، وبالفعل له العديدون من الأصدقاء في تونس، والذين حزنوا حزنًا شديدًا على رحيله.
وحول وجود بعض المتاجرين بموت رمضان، قال رشوان: "أعلم جيدًا أن لصديقي الراحل صداقات عديدة وأن الحزن الصادق لا يحتاج إلى تعبير أو تأكيد، وفي الوقت نفسه هناك من يدّعون هذا الحزن أو يحاولون دخول المشهد حتى يراهم الناس، وهذا أمر محزن"، وأضاف أن رمضان كان يستعد لتصوير أول أعماله الروائية الطويلة مع المنتجة ماريان خوري - التي تبنت موهبته ومشروعه الذي كان يحمل اسم "الإمام" - والذي يتناول خلاله حياة سكان مقابر الإمام، مع السيناريست عيسى جمال.
ومن جانبه أكد المخرج أحمد صلاح سوني، أن صديقه الراحل - شأنه كشأن معظم أبناء جيله - كان مستاء أشد الاستياء من سوق السينما، ولكنه رغم ذلك كان متفائلًا للغاية، يعمل في دأب لو لم تجده يقوم بالتحضير لعمل جديد أو إعلان أو غيره تجده يقدم المساعدة لأصدقائه في أعمالهم الروائية القصيرة، أو يتبنى مبادرة لخدمة الفقراء، وهذا ما حدث في سانت كاترين، فهو كان ذاهبًا بهدف تنشيط السياحة مع مجموعة أطلقوا هذه المبادرة من فترة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وأضاف "سوني" أن مجموعة أصدقاء محمد رمضان سوف تقوم خلال الساعات القليلة المقبلة بكتابة بيان عن الحادث، وسوف يحتوي هذا البيان على كل التفاصيل من روايات ومعلومات موثقة، وليس عن طريق اجتهادات شخصية أو تكهنات بما حدث، وأن البيان سوف يكون لسان حال المجموعة المقربة من رمضان وليس لهم دخل بما يكتب أي شخص آخر على صفحته، كما أشار إلى أن نقابة السينمائيين تعاملت مع الحدث بشكل طيب للغاية، وأرسلت المخرج أحمد عويس إلى سانت كاترين - وهو الذي تابع المشهد لحظة بلحظة - وأنه سوف يقترح على النقابة ضرورة تقديم طلب لإدارة مهرجان القاهرة السينمائي بعمل جائزة باسمه تقدم للفائزين في مسابقة طلبة معهد السينما التي تم تحديثها في الدورة المقبلة للمهرجان، كما سيتم تقديم اقتراح بضرورة إطلاق اسمه على إحدى قاعات معهد السينما، وأيضًا سيتم تحديد موعد قريب لإقامة حفل تأبين له.
وعن الذين حاولوا استغلال موت رمضان بشكل مسيئ - وخاصة من جانب من لم يقفوا إلى جواره ومن لم يقدموا له يد العون في مشواره القصير - قال سوني: "رمضان كان مثاليًا للغاية، وكان يحلم بتقديم مشروعه الشخصي، وفي الوقت نفسه لم يتكاسل يومًا بل كان يعمل دائمًا ويجتهد، إلى أن تقابل مع ماريان خوري وعرض عليها مشروعه الروائي الطويل الذي رحل قبل أن يخرجه إلى النور".
أما المخرج رمضان صلاح، فقال إن هناك عدداً من المخرجين ومن أصدقاء رمضان في معهد السينما أو أساتذته تابعوا الأحداث، وذهبوا بأنفسهم إلى سانت كاترين فور علمهم بتغيّبه، وأذكر أن المنتجة ماريان خوري ذهبت بسيارتها - رغم بعد المكان - وحينما وصلت كان جثمان رمضان قد وصل إلى الطائرة في طريقه إلى مصر فعادت مرة أخرى، وأيضًا حضر وتابع عن قرب: المخرج أحمد عواض رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، والمخرج أحمد عويس، وغيرهما من الأصدقاء الذين لا يمكن أن تكون دموعهم غير صادقة، أما من يتاجرون في هذه المسألة وبها فالمشهد سوف يلفظهم مهما نافقوا وادّعوا.
** رمضان في سطور
كان رمضان قد أخرج الفيلم الروائي القصير "حواس" - والذي يعد مشروع تخرجه - ومثل مصر في أكثر من 30 مهرجانا سينمائيا دوليا، وحصد أكثر من 10 جوائز منها: جائزة المهرجان القومي للسينما، وجائزة مهرجان وهران السينمائي الدولي بالجزائر.
عمل في فيلم "بصرة" عام 2007، وكان الفيلم من إخراج أحمد رشوان وإنتاج مجموعة العمل، ويُعدّ المخرج الراحل واحدًا من الشباب الذين شاركوا في الثورة المصرية في 25 يناير 2011، وقال في لقاء تليفزيوني - قد يكون الوحيد له - مع برنامج "عز الشباب" على قناة روتانا مصرية، في 30 ديسمبر 2011 عقب فوزه بجائزة مهرجان وهران: "أنا أحد من شاركوا في الثورة المصرية التي لم تحقق أهدافها حتى الآن، ولكنها ستستمر لأنها عملت قيمة لينا كشباب مصريين".
وأضاف رمضان أيضاً - في نفس البرنامج الذي تزامن توقيته مع أحداث مجلس الوزراء في عهد المجلس العسكري - قائلاً: "احنا في ظروف استثنائية، ومش عارف ده وقته أطلع أتكلم عن جائزة في فيلم والا لأ، خصوصًا في ظل الأحداث الحالية، ولكن بقول إني أهديت جائزة فيلمي في مهرجان وهران إلى ست البنات -"الفتاة المصرية المسحولة في أحداث مجلس الوزراء" - ولو هيّ بتسمعني دلوقتي بقولها ما تزعليش من أي محاولات تشويه ليكي انتي وكل اللي اتسحلوا في مجلس الوزراء، لأننا كفنانين من شباب الثورة هنوثّق اللي حصلك في أعمالنا، وأنا واثق حقك هيرجع، والثورة مستمرة".
** آخر ما كتبه رمضان على صفحته
- صباح الخير يا سينا.
- صباحكم ضحك.. وهابي فالانتاين داي يا وليد.. تحية بجد للمبدعين اللي عملو الفيديو ده.
- بعد ما الواحد شاف الطبيعة والناس الطيبة في أسوان، وقدر يخطف شوية من السلام النفسي الموجود هناك..
بصراحة الواحد نفسه اتفتحت للبعد عن المرضى النفسيين اللي بيحاوطونا.. إذن فلنهرب للطبيعة.
- رايح حالًا اقابل الراجل بتاع قراءة الغيب والعلاج بالقرآن.. المشكلة إنه لما عرف إني عايز أقابله وافق وقبل التحدي.
- وصيتي ليكم: خلّوا بالكم من مصر والقطتين وسيادة الريّس.